سلام عليك سلام توديع ومتاركة. وبادره به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته.
ومن حلم إبراهيم أن كانت متاركته أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة.
والسلام : السلامة. و (على) للاستعلاء المجازي وهو التمكن. وهذه كلمة تحية وإكرام ، وتقدمت آنفا عند قوله (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) [مريم : ١٥].
وأظهر حرصه على هداه فقال (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ، أي أطلب منه لك المغفرة من هذا الكفر ، بأن يهديه الله إلى التوحيد فيغفر له الشرك الماضي ، إذ لم يكن إبراهيم تلقى نهيا من الله عن الاستغفار للمشرك. وهذا ظاهر ما في قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة : ١١٤]. واستغفاره له هو المحكي في قوله تعالى : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٨٦].
وجملة (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) مستأنفة ، وعلامة الاستقبال والفعل المضارع مؤذنان بأنه يكرر الاستغفار في المستقبل.
وجملة (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) تعليل لما يتضمنه الوعد بالاستغفار من رجاء المغفرة استجابة لدعوة إبراهيم بأن يوفق الله أبا إبراهيم للتوحيد ونبذ الإشراك.
والحفيّ : الشديد البر والإلطاف. وتقدم في سورة الأعراف [١٨٧] عند قوله : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها).
وجملة (وَأَعْتَزِلُكُمْ) عطف على جملة (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ، أي يقع الاستغفار في المستقبل ويقع اعتزالي إياكم الآن ، لأن المضارع غالب في الحال. أظهر إبراهيم العزم على اعتزالهم وأنه لا يتوانى في ذلك ولا يأسف له إذا كان في ذات الله تعالى ، وهو المحكي بقوله تعالى : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩] ، وقد خرج من بلد الكلدان عازما على الالتحاق بالشام حسب أمر الله تعالى.
رأى إبراهيم أن هجرانه أباه غير مغن ، لأن بقية القوم هم على رأي أبيه فرأى أن يهجرهم جميعا ، ولذلك قال له (وَأَعْتَزِلُكُمْ).
وضمير جماعة المخاطبين عائد إلى أبي إبراهيم وقومه تنزيلا لهم منزلة الحضور في