وقرأ الجمهور مخلصا بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته. والإخلاص في أمر ما : الإتيان به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ، مشتق من الخلوص ، وهو التمحض وعدم الخلط. والمراد هنا : الإخلاص فيما هو شأنه ، وهو الرسالة بقرينة المقام.
وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف بفتح اللام من أخلصه ، إذا اصطفاه.
وخص موسى بعنوان (المخلص) على الوجهين لأن ذلك مزيته ، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ، وجادله مجادلة الأكفاء ، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء [١٨ ، ١٩] : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ* وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) إلى قوله : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ). وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله : (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص : ١٧] ، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته. ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه الملك بالوحي ، فكان مخلصا بذلك ، أي مصطفى ، لأن ذلك مزيته قال تعالى (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١].
والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء. وعطف نبيئا على (رَسُولاً) مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ، فلأن الرسول هو المرسل بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئا ، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولا ، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغا قويا ، فقوله نبيئا تأكيد لوصف (رَسُولاً).
وتقدم اختلاف القراء في لفظ نبيئا عند ذكر إبراهيم.
وجملة (وَنادَيْناهُ) عطف على جملة (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) فهي مثلها مستأنفة.
والنداء : الكلام الدال على طلب الإقبال ، وأصله : جهر الصوت لإسماع البعيد ، فأطلق على طلب إقبال أحد مجازا مرسلا ، ومنه (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩] ، وهو مشتق من الندى ـ بفتح النون وبالقصر ـ وهو بعد الصوت. ولم يسمع فعله إلّا بصيغة المفاعلة ، وليست بحصول فعل من جانبين بل المفاعلة للمبالغة ، وتقدم عند قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) في سورة البقرة [١٧١] ، وعند قوله :