يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧].
و (نَتَنَزَّلُ) مرادف ننزّل ، وأصل التنزّل : تكلّف النزول ، فأطلق ذلك على نزول الملائكة من السماء إلى الأرض لأنّه نزول نادر وخروج عن عالمهم فكأنه متكلّف. قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤].
واللّام في «له» للملك ، وهو ملك التصرف.
والمراد ب (ما بَيْنَ أَيْدِينا) ما هو أمامنا ، وب (وَما خَلْفَنا) : ما هو وراءنا ، وب (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : ما كان عن أيمانهم وعن شمائلهم ، لأن ما كان عن اليمين وعن الشمال هو بين الأمام والخلف. والمقصود استيعاب الجهات.
ولمّا كان ذلك مخبرا عنه بأنه ملك لله تعين أن يراد به الكائنات التي في تلك الجهات ، فالكلام مجاز مرسل بعلاقة الحلول ، مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، فيعمّ جميع الكائنات ، ويستتبع عموم أحوالها وتصرفاتها مثل التنزل بالوحي. ويستتبع عموم الأزمان المستقبل والماضي والحال ، وقد فسر بها قوله (ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ).
وجملة (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) على هذا الوجه من الكلام الملقّن به جبريل جوابا للنبيصلىاللهعليهوسلم.
و (نَسِيًّا) : صيغة مبالغة من نسي ، أي كثير النسيان أو شديده.
والنسيان : الغفلة عن توقيت الأشياء بأوقاتها ، وقد فسروه هنا بتارك ، أي ما كان ربّك تاركك وعليه فالمبالغة منصرفة إلى طول مدّة النسيان. وفسر بمعنى شديد النسيان ، فيتعين صرف المبالغة إلى جانب نسبة نفي النسيان عن الله ، أي تحقيق نفي النسيان مثل المبالغة في قوله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصّلت : ٤٦] فهو هنا كناية عن إحاطة علم الله ، أي إن تنزلنا بأمر الله لما هو على وفق علمه وحكمته في ذلك ، فنحن لا نتنزل إلّا بأمره. وهو لا يأمرنا بالتنزل إلّا عند اقتضاء علمه وحكمته أن يأمرنا به.
وجوز أبو مسلم وصاحب «الكشاف» : أنّ هذه الآية من تمام حكاية كلام أهل الجنة بتقدير فعل يقولون حالا من قوله (مَنْ كانَ تَقِيًّا) [مريم : ٦٣] ، أي وما نتنزل في هذه الجنة إلّا بأمر ربّك إلخ ، وهو تأويل حسن.