كلهم. فلذلك عطف عليه جملة (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) ، والضمير للجميع. وهذا إعداد آخر للتقريب من العذاب فهو إنذار على إنذار وتدرج في إلقاء الرّعب في قلوبهم. فحرف (ثُمَ) للترتيب الرتبي لا للمهلة إذ ليست المهلة مقصودة وإنما المقصود أنهم ينقلون من حالة عذاب إلى أشد.
و (جِثِيًّا) حال من ضمير (لَنُحْضِرَنَّهُمْ) ، والجثيّ : جمع جاث. ووزنه فعول مثل: قاعد وقعود وجالس وجلوس ، وهو وزن سماعيّ في جمع فاعل. وتقدّم نظيره (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم : ٥٨] ، فأصل جثي جثوو ـ بواوين ـ لأن فعله واوي ، يقال : جثا يجثو إذا برك على ركبتيه وهي هيئة الخاضع الذليل ، فلمّا اجتمع في جثوو واوان استثقلا بعد ضمّة الثاء فصير إلى تخفيفه بإزالة سبب الثقل السابق وهو الضمة فعوضت بكسر الثاء ، فلمّا كسرت الثاء تعين قلب الواو الموالية لها ياء للمناسبة فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو الأخرى ياء وأدغمتا فصار جثي.
وقرى حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف ـ بكسر الجيم ـ وهو كسر اتباع لحركة الثاء.
وهذا الجثو هو غير جثوّ الناس في الحشر المحكيّ بقوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية : ٢٨] فإن ذلك جثوّ خضوع لله ، وهذا الجثوّ حول جهنّم جثوّ مذلّة.
والقول في عطف جملة (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) كالقول في جملة (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ). وهذه حالة أخرى من الرّعب أشدّ من اللتين قبلها وهي حالة تمييزهم للإلقاء في دركات الجحيم على حسب مراتب غلوّهم في الكفر.
والنزع : إخراج شيء من غيره ، ومنه نزع الماء من البئر.
والشيعة : الطائفة التي شاعت أحدا ، أي اتّبعته ، فهي على رأي واحد. وتقدم في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) في سورة الحجر [١٠]. والمراد هنا شيع أهل الكفر ، أي من كلّ شيعة منهم. أي ممن أحضرناهم حول جهنّم.
والعتيّ : العصيان والتجبّر ، فهو مصدر بوزن فعول مثل : خروج وجلوس ، فقلبت الواو ياء. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف ـ بكسر العين ـ اتباعا لحركة التاء كما تقدّم في (جِثِيًّا).