و (مَدًّا) مفعول مطلق مؤكد لعامله ، أي فليمدد له المدّ الشديد ، فسينتهي ذلك.
و (حَتَّى) لغاية المد ، وهي ابتدائية ، أي يمدّ له الرحمن إني أن يروا ما يوعدون ، أي لا محيص لهم عن رؤية ما أوعدوا من العذاب ولا يدفعه عنه طول مدّتهم في النّعمة. فتكون الغاية مضمون الجملة التي بعدها (حَتَّى) لا لفظا مفردا. والتقدير : يمدّ لهم الرحمن حتى يروا العذاب فيعلموا من هو أسعد ومن هو أشقى.
وحرف الاستقبال لتوكيد حصول العلم لهم حينئذ وليس للدّلالة على الاستقبال لأنّ الاستقبال استفيد من الغاية.
و (إِمَّا) حرف تفصيل ل (ما يُوعَدُونَ) ، أي ما أوعدوا من العذاب إما عذاب الدنيا وإما عذاب الآخرة ، فإن كلّ واحد منهم لا يعدو أن يرى أحد العذابين أو كليهما.
وانتصب لفظ (الْعَذابَ) على المفعولية ل (رَأَوْا). وحرف (إِمَّا) غير عاطف ، وهو معترض بين العامل ومعموله ، كما في قول تأبّط شرا :
هما خطّتا إمّا إسار ومنّة |
|
وإما دم والموت بالحر أجدر |
بجرّ (إسار ، ومنّة ، ودم).
وقوله (شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) مقابل قولهم (خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : ٧٣] فالمكان يرادف المقام ، والجند الأعوان ، لأنّ الندي أريد به أهله كما تقدم ، فقوبل (خَيْرٌ نَدِيًّا) ب (أَضْعَفُ جُنْداً).
وجملة (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) معطوفة على جملة (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) لما تضمنه ذلك من الإمهال المفضي إلى الاستمرار في الضلال ، والاستمرار : الزيادة. فالمعنى على الاحتباك ، أي فليمدد له الرحمن مدا فيزدد ضلالا ، ويمدّ للذين اهتدوا فيزدادوا هدى.
وجملة (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ) عطف على جملة (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً). وهو ارتقاء من بشارتهم بالنجاة إلى بشارتهم برفع الدرجات ، أي الباقيات الصالحات خير من السلامة من العذاب التي اقتضاها قوله تعالى : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) ، أي فسيظهر أن ما كان فيه الكفرة من النعمة والعزّة هو أقلّ مما كان عليه المسلمون من الشظف والضعف باعتبار المآلين ، إذ كان مآل الكفرة العذاب ومآل