و (عِنْدَ) ظرف مكان ، وهو استعارة بالكناية بتشبيه الوعد بصحيفة مكتوبة بها تعاهد وتعاقد بينه وبين الله موضوعة عند الله ، لأن الناس كانوا إذا أرادوا توثيق ما يتعاهدون عليه كتبوه في صحيفة ووضعوها في مكان حصين مشهور كما كتب المشركون صحيفة القطيعة بينهم وبين بني هاشم ووضعوها في الكعبة. وقال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل ينقض |
|
ما في المهارق الأهواء |
ولعلّ في تعقيبه بقوله (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) إشارة إلى هذا المعنى بطريق مراعاة النظير.
واختير هنا من أسمائه (الرَّحْمنِ) ، لأن استحضار مدلوله أجدر في وفائه بما عهد به من النعمة المزعومة لهذا الكافر ، ولأن في ذكر هذا الاسم توركا على المشركين الذين قالوا (وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠].
و (كَلَّا) حرف ردع وزجر عن مضمون كلام سابق من متكلّم واحد ، أو من كلام يحكى عن متكلم آخر أو مسموع منه كقوله تعالى : (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي) [الشعراء : ٦١ ، ٦٢].
والأكثر أن تكون عقب آخر الكلام المبطل بها ، وقد تقدّم على الكلام المبطل للاهتمام بالإبطال وتعجيله والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها كما في قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ* وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ* إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) [المدثر : ٣٢ ـ ٣٥] على أحد تأويلين ، ولما فيها من معنى الإبطال كانت في معنى النّفي ، فهي نقيض إي وأجل ونحوهما من أحرف الجواب بتقدير الكلام السابق.
والمعنى : لا يقع ما حكى عنه من زعمه ولا من غروره ، والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها ، فلا يعهد في كلام العرب أن يقول قائل في ردّ كلام : كلّا ، ويسكت.
ولكونها حرف ردع أفادت معنى تامّا يحسن السكوت عليه. فلذلك جاز الوقف عليها عند الجمهور ، ومنع المبرد الوقف عليها بناء على أنها لا بد أن تتبع بكلام. وقال الفراء : مواقعها أربعة :
ـ موقع يحسن الوقف عليها والابتداء بها كما في هذه الآية.
ـ وموقع يحسن الوقف عليها ولا يحسن الابتداء بها كقوله : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ* قالَ كَلَّا فَاذْهَبا) [الشعراء : ١٤ ، ١٥].