إلى الذين أشركوا لأنّ الكلام جرى على بعض منهم.
والاتخاذ : جعل الشخص الشيء لنفسه ، فجعل الاتخاذ هنا الاعتقاد والعبادة. وفي فعل الاتخاذ إيماء إلى أن عقيدتهم في تلك الآلهة شيء مصطلح عليه مختلق لم يأمر الله به كما قال تعالى عن إبراهيم : (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥].
وفي قوله (مِنْ دُونِ اللهِ) إيماء إلى أن الحق يقتضي أن يتّخذوا الله إلها ، إذ بذلك تقرّر الاعتقاد الحق من مبدأ الخليقة ، وعليه دلّت العقول الراجحة.
ومعنى (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) ليكونوا معزّين لهم ، أي ناصرين ، فأخبر عن الآلهة بالمصدر لتصوير اعتقاد المشركين في آلهتهم أنّهم نفس العزّ ، أي إن مجرد الانتماء لها يكسبهم عزّا.
وأجرى على الآلهة ضمير العاقل لأنّ المشركين الذين اتخذوهم توهموهم عقلاء مدبرين.
والضميران في قوله : (سَيَكْفُرُونَ) و (يَكُونُونَ) يجوز أن يكونا عائدين إلى آلهة ، أي سينكر الآلهة عبادة المشركين إيّاهم ، فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر ، وستكون الآلهة ذلّا ضد العزّ.
والأظهر أن ضمير (سَيَكْفُرُونَ) عائد إلى المشركين ، أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً). وفيه تمام المقابلة ، أي بعد أن تكلفوا جعلهم آلهة لهم سيكفرون بعبادتهم ، فالتعبير بفعل (سَيَكْفُرُونَ) يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود ، وأن ضمير (يَكُونُونَ) للآلهة وفيه تشتيت الضمائر. ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يرجع كلا إلى ما يناسبه ، كقول عباس بن مرداس :
عدنا ولو لا نحن أحدق جمعهم |
|
بالمسلمين وأحرزوا ما جمّعوا |
أي : وأحرز جمع المشركين ما جمّعه المسلمون من الغنائم.
ويجوز أن يكون ضميرا (سَيَكْفُرُونَ) و (يَكُونُونَ) راجعين إلى المشركين. وأن حرف الاستقبال للحصول قريبا ، أي سيكفر المشركون بعبادة الأصنام ويدخلون في الإسلام ويكونون ضدا على الأصنام يهدمون هياكلها ويلعنونها ، فهو بشارة للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن دينه سيظهر على دين الكفر. وفي هذه المقابلة طباق مرتين.