تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) في سورة الحجر [١٦ ، ١٧]. وتقدم ذكر الكواكب في قوله : (رَأى كَوْكَباً) في سورة الأنعام [٧٦].
وانتصب (حِفْظاً) بالعطف على (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) عطفا على المعنى كما ذهب إليه في «الكشاف» وبيّنه ما بيّناه آنفا من أن قوله : (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) في قوة أن يقال : بالكواكب زينة ، وعامله (زَيَّنَّا).
والحفظ من الشياطين حكمة من حكم خلق الكواكب في علم الله تعالى لأن الكواكب خلقت قبل استحقاق الشياطين الرجم فإن ذلك لم يحصل إلا بعد أن أطرد إبليس من عالم الملائكة فلم يحصل شرط اتحاد المفعول لأجله مع عامله في الوقت ، وأبو علي الفارسي لا يرى اشتراط ذلك. ولعل الزمخشري يتابعه على ذلك حيث جعله مفعولا لأجله وهو الحق لأنه قد يكون على اعتباره علّة مقدرة كما جوز في الحال أن تكون مقدرة. ولك أن تجعل (حِفْظاً) منصوبا على المفعول المطلق الآتي بدلا من فعله فيكون في تقدير : وحفظنا ، عطفا على (زَيَّنَّا) ، أي حفظنا بالكواكب من كل شيطان مارد. وهذا قول المبرد. والمحفوظ هو السماء ، أي وحفظناها بالكواكب من كل شيطان.
وليس الذي به الحفظ هو جميع الذي به التزيين بل العلة موزعة فالذي هو زينة مشاهد بالأبصار ، والذي هو حفظ هو المبين بقوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ١٠].
ومعنى كون الكواكب حفظا من الشياطين أن من جملة الكواكب الشهب التي ترجم بها الشياطين عند محاولتها استراق السمع فتفرّ الشياطين خشية أن تصيبها لأنها إذا أصابت أشكالها اخترقتها فتفككت فلعلها تزول أشكالها بذلك التفكك فتنعدم بذلك قوام ماهيتها أو تتفرق لحظة لم تلتئم بعد فتتألّم من ذلك الخرق والالتئام فإن تلك الشهب التي تلوح للناظر قطعا لامعة مثل النجوم جارية في السماء إنما هي أجسام معدنية تدور حول الشمس وعند ما تقرب إلى الأرض تتغلب عليها جاذبية الأرض فتنزعها من جاذبية الشمس فتنقضّ بسرعة نحو مركز الأرض ولشدة سرعة انقضاضها تولد في الجو الكروي حرارة كافية لإحراق الصغار منها وتحمى الكبار منها إلى درجة من الحرارة توجب لمعانها وتسقط حتى تقع على الأرض في البحر غالبا وربما وقعت على البر ، وقد يعثر عليها بعض الناس إذ يجدونها واقعة على الأرض قطعا معدنية متفاوتة وربما أحرقت ما تصيبه من شجر أو منازل. وقد أرخ نزول بعضها سنة (٦١٦) قبل ميلاد المسيح ببلاد الصين فكسر عدة