وجملة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) بدل اشتمال من جملة (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) اشتمال نفي الشيء على ثبوت ضده ، فلما نفى بقوله : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) أن يكون تقوّل القرآن على الله ، ثبت من ذلك أن القرآن ذكر للناس ذكّرهم الله به ، أي ليس هو بالأساطير أو الترهات. ولك أن تجعلها تذييلا إذ لا منافاة بينهما هنا. وهذا الإخبار عن موقع القرآن لدى جميع أمة الدعوة لا خصوص المشركين الذين كان في مجادلتهم لأنه لما ثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يرجو من معانديه أجرا. وثبت بذلك أنه ليس بمتقول ما لم يوح إليه انتقل إلى إثبات أن القرآن ذكر للناس قاطبة فيدخل في ذلك مشركو أهل مكة وغيرهم من الناس ، فكأنه قيل يستغني الله عنكم بأقوام آخرين كما قال تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) [الزمر : ٧].
وعموم العالمين يكسب الجملة معنى التذييل للجملتين قبلها.
والقصر الذي اشتملت عليه جملة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) قصر قلب إضافي ، أي هو ذكر لا أساطير ولا سحر ولا شعر ولا غير ذلك للردّ على المشركين ما وسموا به القرآن من غير صفاته الحقيقية.
وجملة (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) عطف على جملة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) باعتبار ما يشتمل عليه القصر من جانب الإثبات ، أي وستعلمون خبر هذا القرآن بعد زمان علما جزما فيزول شكّكم فيه ، فالكلام إخبار عن المستقبل كما هو مقتضى وجود نون التوكيد.
والنبأ : الخبر ، وأصل الخبر : الصدق ، أي الموافقة للواقع ، فإذا قيل : أتاني نبأ كذا ، فمعناه الخبر عن حاله في الواقع ، فإضافة النبأ إلى ما يضاف إليه على معنى اللام إذ معنى اللام هو أصل معاني الإضافة ، قال تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) [ص : ٢١] ، أي ستعلمون صدق وصف هذا القرآن أنه الحق ، وهذا كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت : ٥٣]. وفسر النبأ بمعنى المفعول ، أي ما أنبأ به القرآن من إنذاركم بالعذاب ، فهو تهديد. وكلا الاحتمالين واقع فإن من المخاطبين من عجّل له عذاب السيف يوم بدر ، وبقيتهم رأوا ذلك رأي العين منهم من علموا دخول الناس في الإسلام فماتوا بغيظهم ومنهم من شاهدوا فتح مكة وآمنوا ، أو رأوا قبائل العرب تدخل في الدين أفواجا فعلموا نبأ صدق القرآن وما وعد به بعد حين فازدادوا إيمانا.