تنذر بحنقهم وإرادة البطش به يثير في نفس السامع تساؤلا عن حال إبراهيم في تلقّيه بأولئك وهو فاقد للنصير معرّض للنكال فيكون (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) جوابا وبيانا لما يسأل عنه ، وذلك منبئ عن رباطة جأش إبراهيم إذ لم يتلق القوم بالاعتذار ولا بالاختفاء ، ولكنه لقيهم بالتهكّم بهم إذ قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) كما في سورة الأنبياء [٦٣]. ثم أنحى عليهم باللائمة والتوبيخ وتسفيه أحلامهم إذ بلغوا من السخافة أن يعبدوا صورا نحتوها بأيديهم أو نحتها أسلافهم ، فإسناد النحت إلى المخاطبين من قبيل إسناد الفعل إلى القبيلة إذا فعله بعضها كقولهم : بنو أسد قتلوا حجر بن عمرو أبا امرئ القيس.
والنحت : بري العود ليصير في شكل يراد ، فإن كانت الأصنام من الخشب فإطلاق النحت حقيقة ، وإن كانت من حجارة كما قيل ، فإطلاق النحت على نقشها وتصويرها مجاز.
والاستفهام إنكاري والإتيان بالموصول والصلة لما تشتمل عليه الصلة من تسلط فعلهم على معبوداتهم ، أي أن شأن المعبود أن يكون فاعلا لا منفعلا ، فمن المنكر أن تعبدوا أصناما أنتم نحتموها وكان الشأن أن تكون أقلّ منكم.
والواو في (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) واو الحال ، أي أتيتم منكرا إذ عبدتم ما تصنعونه بأيديكم والحال أن الله خلقكم وما تعملون وأنتم معرضون عن عبادته ، أو وأنتم مشركون معه في العبادة مخلوقات دونكم. والحال مستعملة في التعجيب لأن في الكلام حذفا بعد واو الحال إذ التقدير : ولا تعبدون الله وهو خلقكم وخلق ما نحتموه.
و (ما) موصولة و (تَعْمَلُونَ) صلة الموصول ، والرابط محذوف على الطريقة الكثيرة ، أي وما تعملونها. ومعنى (تَعْمَلُونَ) تنحتون. وإنما عدل عن إعادة فعل (تَنْحِتُونَ) لكراهية تكرير الكلمة فلما تقدّم لفظ (تَنْحِتُونَ) علم أن المراد ب (ما تَعْمَلُونَ) ذلك المعمول الخاص وهو المعمول للنحت لأن العمل أعمّ. يقال : عملت قميصا وعملت خاتما. وفي حديث صنع المنبر «أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم لامرأة من الأنصار أن مري غلامك النجّار يعمل لي أعوادا أكلّم عليها الناس».
وخلق الله إياها ظاهر ، وخلقه ما يعملونها : هو خلق المادة التي تصنع منها من حجر أو خشب ، ولذلك جمع بين إسناد الخلق إلى الله بواو العطف ، وإسناد العمل إليهم بإسناد فعل (تَعْمَلُونَ).