سلك طريقا به أفاع ، فاعترضه في الصّحراء «ابن طبق (١) وابن فترة» فأوجس في نفسه خيفة منهما ، ولم يكن معه شيء من آلات الدّفاع ، فألقى رداءه ، وخلع نعليه ، وأخذ يعدو عدو الظّليم (٢) ، فقابله أسد من أحدّ الأسود وأضراها ، يثير الثّرى ، وينثر الحصى ببراثنه ، فاشتدّ فزعه ، وبينا هو كذلك بصر بفتى وضّاء عند واد هناك ، متقلّدا سيفا ورمحا : فاستغاث به ، فأتى مسرعا. فحمل على الحيّتين فقتلهما ، وعلى الأسد فولّى هاربا ، ثم قال له بعد أن تعارفا ما الذي حملك على مفارقة وطنك منفردا؟ فأنشد : [الطويل] :
وطول مقام الماء في مستقرّه |
|
يغيّره ريحا ولونا ومطعما |
فقال عمرو : صدقت ، ولكن لا يصحّ للعاقل أن يسلك طريقا مخوفا حتّى يعدّ له ما استطاع من قوّة وسهام صائبات.
فإن الله تعالى قال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥].
وقال الإمام علي : سل عن الرّفيق قبل الطّريق.
فأجاب : أجل وما راء كمن سمع ، غير أنّ حكيما قال : [البسيط] :
ارحل بنفسك من أرض تضام بها |
|
ولا تكن بفراق الأهل في حرق |
من ذلّ بين أهاليه ببلدته |
|
فالاغتراب له من أحسن الخلق |
ثم قال : قد كان ما كان ، وانطلق حامدا شاكرا [الطويل] :
عليك ببرّ الوالدين كليهما |
|
وبرّ ذوي القربى وبرّ الأباعد |
__________________
(١) نوع من الأفاعي الهائلة.
(٢) ذكر النعام.