لحياته العملية بعد الموت ، فيستحق عليه الثواب الكبير من الله ، كما في الحديث المأثور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها لله في حياته فهي تجري له بعد موته ، وسنّة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد وفاته ، وولد صالح يدعو له» (١). فليست القضية قضية ذكر صالح خالد ، بل القضية هي العمل الصالح الذي لا يمتد في حياة الناس كامتداد عملي لحياتهم.
وإذا كان البعض يرتكز في قيمة الذكر الخالد على بعض الآيات القرآنية ، فإننا لا نجد فيها دلالة على ذلك ، فقد أشير إلى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤] ، ويذكر في تفسيرها أن إبراهيم يدعو الله أن يخلد له ذكره من ناحية الطموح الذاتي للخلود في الحياة ، ولكننا نلاحظ أنه كان يتحدث عن لسان الصدق الذي يتضمن رسالته ودعوته الشاملة إلى الإسلام لله ، فليست القضية ـ لديه ـ قضية رغبة في خلود الذكر ، بل في خلود الرسالة التي تمثل كل اهتماماته حتى بعد الموت مما يجعله يوصي أولاده بذلك.
ومن هذه الآيات قوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الانشراح : ٤] فقد يستدل بها على الاهتمام بالذكر الخالد بعد الموت ، ولكن الظاهر أنها واردة في الحديث عن نعمة الله على نبيّه في رفع ذكره وانتشار رسالته ، وعلوّ موقعه في الحياة ، بعد أن كان إنسانا عاديا في مجتمعة ، فلا تعرّض فيها لما بعد الموت ، ومنها : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات : ٧٩] ، أو (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [الصافات : ١٠٩] ، وهما لا يدلان إلا على أن الله ترك السلام عليهما في الحياة لتبقى الروح الإيمانية الرائعة والصبر العظيم عنوانين كبيرين لكل من أراد الاقتداء بهما والسير على منهاجهما.
__________________
(١) مفردات الراغب ، ص : ٢٨١.