عبادة الأصنام المنصوبة عليهما ، لأن المسألة هي إطاعة الله في الطواف بهما تقربا إليه في مناسك الحج والعمرة التي جعلت السعي شرطا فيهما ، تماما كما كان المسلمون يطوفون بالبيت الحرام مع وجود الأصنام عليه من دون أن يترك ذلك تأثيرا على طبيعة العبادة وروحيتها لتقوّمها بالقصد إلى امتثال الأمر الإلهي في الطواف ، أو السعي بعيدا عن كل الأشياء الوثنية الطارئة عليه ، وعن الانحرافات العبادية من الوثنيين ، فليس لما أحدثه الناس في أماكن العبادة أيّ أثر سلبي في طبيعة المكان وفي العبادة.
(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) أي جاء بالعمل من خلال اختياره الامتثال للأمر الإلهي ـ واجبا أو مستحبا ـ كتعبير عن روحية الانقياد إلى الله في فعل الخيرات التي يحبها الله ، والقيام بالطاعات التي أمر بها ، وربما حمل البعض كلمة التطوع على العمل الذي يؤديه الإنسان تبرعا من دون إلزام إلهي ، وذلك في فعل النافلة ـ بعد أداء الواجب أو في غياب وجوبه ـ ولكنه غير ظاهر ، لأن الآية ، كما بيّنّا قبلا ، ليست في مجال الحديث عن الواجب والمستحب ، بل في مجال الحديث عن الطبيعة العبادية للسعي الذي لا إثم على فعله من خلال ما أحدثه المشركون من وضع الأصنام على موقعه وعبادتهم لها فيه ، وأن الآتي به مستحق للثواب لما يعبر عنه ذلك من معنى العبودية لله التي هي محل الشكر الإلهي لعبادة ، (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) فهو الذي يشكر لعباده انقيادهم له من دون حاجة إليه ، ويجزيهم على ذلك أحسن الجزاء ، وذلك هو التعبير الحي عن الشكر الذي هو مقابلة من أحسن إليه بإظهاره قولا وعملا ، وهو الذي يعلم ما في نفوسهم من الإخلاص له.
* * *