الصورة الداخلية الحقيقية للكافر
هذا مثل للكافرين يستهدف كشف الصورة الداخلية الحقيقية للكافر في مواجهته للفكر الذي يقدّم إليه ، وللإيمان ، الذي يدعى إليه ، فهو لا يحمل في نفسه مسئولية الفكر والإيمان ليفكر ويناقش ويدير الحوار الذي يرتكز على أن يسمع وجهة نظر الآخرين ، ويفهم طبيعتها وخصائصها وتفاصيلها ، ثم يفكر فيها من حيث هي خطأ أو صواب. إنه خاضع لتسلّط الفكرة المنحرفة على وجدانه وضميره ، فهي تملأ كل جوانب ذاته ، لا يسمح لأيّة علامة استفهام أن تهز هذه القناعة المضلّلة عنده ، ولا يستمع لأيّ صوت هدى يقتحم عليه ضلاله. ولهذا فهو لا يواجه أصوات الحق والخير والهدى ، إلا كما تواجه الأنعام أصوات الرعاة ، فلا تفهم من أناشيدهم أيّ شيء مما تجيش به صدورهم وتنفعل معه مشاعرهم ، بل لا تعي إلّا الصوت الذي يرنّ في أسماعها لتتحرك معه.
وتزيد الآية الصورة وضوحا في طبيعة الحالة العامة التي تمنعهم من مواجهة الإيمان بالجدّ والإيجابية ، فقد عطّلوا أسماعهم وأغلقوها عن آيات الله ، فمثلهم مثل الذين لا يملكون قوّة السمع ، وقد عطّلوا ألسنتهم عن الجواب ، في ما يوجه إليهم من كلمات الله بما يحتج عليهم به أو يسألهم عنه ، فكأنهم لا ينطقون ، وقد أغمضوا عيونهم عن النظر إلى آيات الله في خلقه بما تجسده من مواطن العظمة ، فكأنهم لا يبصرون. ومن خلال ذلك كله ، عطّلوا عقولهم عن التفكير بما جمّدوه من أدوات الفكر المسموعة والمنظورة والمنطوقة ، فكأنهم لا يعقلون.
وقد نجد في هذا المثل الحيّ الفكرة التي يعمل القرآن على تقريرها وتأكيدها في قضية الكفر والإيمان ، وهي أن الكفر ليس مشكلة فكرية تواجه الإنسان في ما يواجهه من مشاكل الفكر المعقّدة ، بل هي مشكلة ذاتية تنطلق