واختار بعضهم أن تكون تمييزا بين نوعين من المضطر ، فهناك النوع الذي يحصل له الاضطرار في الحالات الطبيعية التي يعيشها الناس في أوضاع اليسر والعسر من دون أن يكون الاضطرار ناشئا من حالة بغي أو عدوان ضد الآخرين ، وهناك النوع الذي يضطر إلى ذلك في ظروف البغي والعدوان التي سعى إليها بنفسه. وذلك كما في اللص والظالم والغاصب والخارج على الإمام وغير ذلك.
فالنوع الأول هو الذي لا يكون آثما في تناوله للمحرم ، بينما يظل الإثم ثابتا في فعل الثاني لأن مقدماته غير شرعية ، فلا يتناول العذر في ما لو توقفت الحياة على ذلك.
ولعل الوجه الثاني أقرب إلى جو الآية ، لأن طبيعة الاضطرار لا توحي بتناول الزائد عن مقدار الحاجة ، ولا سيما في مثل هذه الأمور التي لا تهش لها نفس المؤمن ، كما أن الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت قد ركّزت على المعنى الثاني ، وقد جاء ختام الآية بصفة الغفور الرحيم للتدليل على أن علاقة الله بعباده في ما يحله لهم أو يحرمه عليهم وفي ما يرتكبونه منها في ظروف طبيعية أو غير طبيعية ، هي علاقة المغفرة والرحمة التي تشمل العاصين والمطيعين لأنه الغفور الرحيم.
* * *
بين الحلال الطيّب والمحرّمات
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) فقد أحلّ الله لكم كلّ طيب تستلذونه وتنتفعون به من اللحوم وغيرها ، مما يشتمل على اللذة في المذاق والطيب في خصائصه وعناصره بما تستطيبه حياتكم في نموّها وقوّتها ،