نار جهنم ـ كيف ارتضوا لأنفسهم هذا المصير الأسود.
(ذلِكَ) العذاب الذي أنزله الله بهم لا ينطلق من غير سبب يوجبه ، بل يتحرك من قاعدة ثابتة في الخط الإلهي في مجازاته لعباده على أعمالهم في الدنيا ، (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) فقد أراد للحق الكتابي أن يكون القاعدة للحركة الإنسانية في الحياة ليتكامل الإنسان ـ في ذلك ـ مع الكون الذي أقامه الله على أساس الحق ، فقد خلق الله السماوات والأرض بالحق ، ومن الطبيعي أن ذلك لن يتحقق إلا إذا بلغ الكتاب أهله ليقرأه الناس ، وليفهموه ، ويعرفوا حقائقه ، وليتحركوا من خلاله ، فإذا كتمه أهله وحرّفوه ، واشتروا به ثمنا قليلا ، فلا يمكن للناس أن يلتقوا بالحق ، وهو ما يؤدي إلى الوقوع في الباطل والابتعاد عن الله ، وبالتالي إلى الإساءة للحياة ، والإنسان ، وتوازن العلاقة بين الكون والإنسان من جهة ، وبين الله من جهة أخرى ، وهذه جريمة كبيرة متعددة الأبعاد.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) في تحريفه وتأويله وتحريكه في الواقع تبعا لأهوائهم التي لا تنطلق بهم من موقع وحدة ولا تسير بهم إلى قاعدة من اللقاء ، (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) فهم قد يلتقون على إخفاء الحق وكتمان الحقيقة والكفر بالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبرسالته ، ولكنهم ، في داخلهم ، في حالة نزاع وشقاق بعيد ، لا يقترب بهم إلى الحق ، لأن لكلّ منهم هوى يتحرك في خدمة أطماعه وشهواته ، وخطا يسير به إلى مصالحه بعيدا عن خط الآخر ، الأمر الذي يجعل حياتهم مفتوحة على أكثر من نزاع أو خلاف يبتعد بهم عن الخط المستقيم.
* * *