كل ثمن ، فلا يساويه أي شيء مما يتداوله الناس من الأثمان ، ولو أنهم أخلصوا لله في حفظ كتابه وإظهاره لعباده لحصلوا من ذلك على خير كبير لا يقاس به هذا العرض الزائل من تجارتهم الخاسرة.
(أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فما حصلوا عليه واكتسبوه بالإثم واشتروا به طيبات الحياة وشهواتها من كل ما يستطيبونه وسيتلذونه ويأكلونه ، سوف يتحول إلى نار تحرقهم في عذاب الله في جهنم ، وسيفقدون رعاية الله حيث يبعدهم الله عن رحمته ، فلا يكلمهم كما يكلّم المؤمنين ، ولا يخاطبهم بالرحمة واللطف والرضوان كما يخاطبهم. ولا ريب أن في ذلك إشارة إلى أن من مظاهر رحمة الله تعالى في الآخرة هي التفاته إلى المؤمنين بالكلام معهم ، مما يعبر عن إظهار خاص لرعايته وعنايته واهتمامه بهم ، في حين أنه يحرم غير المؤمنين من هذه الرحمة فالله (لا يُكَلِّمُهُمُ) ... (وَلا يُزَكِّيهِمْ) بالثناء عليهم وامتداحهم كما يثني على عباده المؤمنين أو (لا يُزَكِّيهِمْ) ، من التزكية بمعنى الطهارة ، أي لا يطهرهم من القذارات المعنوية بالمغفرة ، بل وأكثر من ذلك (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) موجع مؤلم بما تمردوا على الله في انحرافهم عن الحق موقفا وإظهارا وإعلانا ، بكفرهم بالرسول وكتمانهم لدلائل رسالته.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) عند ما استبدلوا الإيمان بالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بالحقائق الإلهية بالكفر به أو بها ، فانطلقوا في خط الضلال بدلا من خط الهدى ، (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) فأخذوا العذاب الذي يترتب على الكفر ، وتركوا المغفرة التي تتأتى من الإيمان ، فاستحقوا النار (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي ما أجرأهم على النار التي لا يمكن أن يجرأ على اقتحامها أو التسبيب للوقوع بها أي عاقل ، مما يوحي بجهلهم بالنتائج على مستوى وعي الأعمال التي قدموها أمامهم من معاصي الله ، وسفاهتهم الذهنية والعملية ، وهذا ما يوحي بالتعجب من هؤلاء في حركتهم السائرة إلى الهلالك الأبدي في