أسماعنا في لهاث العاملين الخاشعين المجاهدين ، ونصغي بقلوبنا إلى ذلك الدعاء الخاشع الذي ينساب من أعماق الأعماق في روحية طاهرة ، كأنها هينمات الفجر عند ما يتنفس في الفضاء ، فتتصاعد أنفاسه نورا وسلاما وحياة وروحانية وبركة. إنها الروح المؤمنة الصافية ، تعبّر عن نفسها في ابتهالات حبيبة خاشعة ، فتحتضن في تطلّعاتها كل انطلاقات الحياة الوديعة السابحة في بحيرات الصفاء ...
وهو ـ بعد ذلك ـ دعاء العاملين الذين يتحرك الدعاء لديهم من مواقع العمل لا من حالات الاسترخاء ، فتحسّ ـ مع الدعاء ـ كما لو كانا يقدّمان تقريرا لربهما يحمل معه شظايا الروح وخفقات القلب وهدهدات الشعور في أحلام المستقبل ... إنهما يتطلّعان إلى أن يعرفا في خطوات عملهما رضى الله وقبوله ، فليس المهمّ أن ينجحا في عيون الآخرين أو يكونا مقبولين لدى المجتمع الذي يعيشان فيه ، بل المهمّ أن يعيشا الشعور بالرضى والقبول من الله ، فهو الغاية في كل عمل ... إنهما يطلبان من الله أن يتقبل منهما هذا العمل ، فهو السميع الذي يسمع طلبات عباده ويعلم ما في قلوبهم في ما يعملون ويتركون .. ويتجاوزان هذا العمل فيمتدان إلى كل مجالات حياتهما العملية في حاضرها ومستقبلها ، ويبتهلان إليه أن يجعلهما يعيشان إسلام القلب والفكر والجوارح واللسان لله ، لتكون حياتهما صورة متجسدة لإرادة الله وأمره ...
وينتقلان في تطلّعاتهما وتمنياتهما إلى ذريتهما ، فلا يريدان لهذه الذرية أن تنحرف عن الله سبحانه ، بل يتطلعان إلى أن تعيش الإسلام لله ، فتولد منها الأمّة المسلمة الممتدة التي تحوّل الحياة كلها إلى إسلام يتحرك في كل اتجاه ، لتتجسّد عبودية الإنسان لله في صدق وإخلاص. ويختمان هذه التطلعات بالرغبة إلى الله أن يعرّفهما أصول مناسكهما أو مواضعها ، وأن يتوب عليهما لأن التوبة تجسّد المعنى الذي يوحي برضى الله وثوابه ورحمته ، وليس من