الإسلام بمعنى العبودية الحقة الخاضعة للألوهية المطلقة ، فليكن هذا الدين ـ الإسلام ـ هو الخط المستقيم الذي تتحركون فيه في كل حياتكم فلا تنحرفوا عنه ، أو تتركوه إلى غيره ، مهما اشتدت الضغوط واهتزت الأرض من تحت أقدامكم وتنوعت الإغراءات حتى نهاية حياتكم ، (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لتلتقوا بالله على خط الإسلام عند ما يقوم الناس لرب العالمين.
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أيها الناس ، قال في مجمع البيان إن «أم» ها هنا منقطعة ، وهي لا تجيء إلا وقد تقدمها كلام لأنها التي تكون بمعنى «بل» وهمزة الاستفهام. كأنه قيل: بل أكنتم شهداء ، ومعنى «أم» ها هنا الجحد ، أي ما كنتم شهداء ، وإنما كان اللفظ على الاستفهام والمعنى على خلافه ، لأن إخراجه مخرج الاستفهام أبلغ في الكلام وأشدّ مظاهرة في الحجاج ، إذ يخرج الكلام مخرج التقرير بالحق فيلزم الحجة أو الإنكار له فتظهر الفضيحة» (١) ، (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) واجتمع إليه بنوه الاثنا عشر وهم الأسباط (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ) سائلا سؤال الإنسان الذي يبدي لهم رغبته الأخيرة في سلوكهم مستقبلا في الخط الذي بدأه أبوه النبي إبراهيم في إسلام الروح لله وحمله كمسؤولية رسالية يبلغه للناس كافة (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) هل تتراجعون عن الخط المستقيم لتتبعوا مجتمعاتكم الوثنية ، أم تستمرون في السير عليه لتنسجموا مع آبائكم وأجدادكم من الرسل؟ فكان الجواب الذي يبعث الاطمئنان في نفسه ليموت وهو قرير العين ، باستمرار الخط الرسالي في التوحيد الخالص من بعده.
(قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) فلن نشرك بعبادة غيره ، ولن نؤمن بإله سواه. فهي العبادة الخالصة لله الواحد
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤٠٠.