ثم يعود الحديث عن الإسلام باعتباره الصفة التي لا تعادلها صفة والميزة التي لا تقاربها ميزة في ما تشتمل عليه من المعاني الكبيرة التي ترفع مستوى الإنسان في الدنيا والآخرة ، لأنها تمثل خط العبادة لله سبحانه في أصدق معانيها وأوضح خطوطها في استقامة وإيمان ، ثم يواجههم بالحقيقة التي أرادوا أن يتهربوا منها ، وهي أن الله لا يكون لجماعة دون جماعة ، ولا لشعب دون شعب ، بل الخلق كلهم متساوون أمامه في عبوديتهم له وربوبيته لهم ، فلا معنى لمحاجّتهم في الله على أساس ما يزعمونه من العلاقة الخاصة التي تربطهم به وتشدهم إليه في ما يعبّرون عنه بأنهم «شعب الله المختار» ، وفي ما يتخيلونه من أن الطريق إليه لا بد من أن تمر بهم ، فهو (رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) ...
وفي هذا الاتجاه تتحرك الحقيقة الثانية من خلال الحقيقة الأولى ، وهي أن الأعمال هي القاعدة التي ترتكز عليها العلاقة القوية بين العبد وربه ليواجه فيها الإنسان مسئوليته أمام الله من خلالها من دون أن يتحمل أحد مسئولية أحد في عمله ، فلكلّ عمله ، ولكلّ مسئوليته في هذا الاتجاه ، (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ثم يحدّد الموقف الحق الذي يلتزم به المسلمون كطابع بارز للشخصية التي تتميز بالإخلاص لله في النية والعمل.
ويعود الحديث من جديد إلى شخصية إبراهيم ، فاليهود يعتبرون ـ أو هكذا يوحي أسلوبهم العملي ـ بأن إبراهيم كان يهوديا ، والنصارى يعتبرون ـ أو هكذا يوحي أسلوبهم العملي ـ أن إبراهيم كان نصرانيا ... ويحسم القرآن الموقف بإثارة التساؤل في معرضالإنكار ، فينفذ إلى مواجهة معلوماتهم عن إبراهيم ليتساءل في إنكار : هل أنتم أعلم أم الله؟ ... ومن البديهي أنهم لا يستطيعون إلا الإقرار بأن الله أعلم من خلال إيمانهم الذي يزعمون ... وفي هذا الجو يتحرك الموقف من حركة الرسالة في الحوار ، ليوحي بأن الله قد عرّفنا ، بما لا يقترب منه الشك ، أن إبراهيم لم يكن