على المسلمين من خلال مسئوليته الرسالية عنهم في ما بلّغهم إيّاه وفي ما أرشدهم إليه ... وفي هذا الجوّ لا نجد للوسطية معنى في ما حاوله هؤلاء المفسرون من الحديث عن التوازن الفكري والتشريعي في المواجهة الإسلامية للحياة ، لأن القضية ليست قضية المضمون الإسلامي في صياغة الشخصية للإنسان المسلم ، بل هي قضية الإيحاء للمسلمين بأن عليهم أن لا يستسلموا للآخرين في الحصول على الثقة بالتشريع وبالمسار العملي ، لأنه لا يمثلون التبعية للآخرين في مواقعهم ، بل القضية هي أن الآخرين يدخلون في نطاق مسئوليتهم باعتبار أنهم يحملون الرسالة القائدة ، والدور القائد في التبليغ والتنفيذ ، كما كان الرسول بالنسبة إليهم في ما يبلّغه وفي ما يهدي إليه ...
إننا نتصور الآية في هذا الموقع من خلال الأجواء العامة التي وردت فيها ، مما يجعل من ذكر كلمة الوسط مقدّمة لتقرير فكرة الشهادة ، ويوحي بأن معناها يدخل في معنى العدل والفضل انطلاقا مما ذكره صاحب كتاب العين : «إن الوسط من كل شيء أعدله وأفضله» فكأن هذه الكلمة استعيرت للأمة المسلمة من أجل تأكيد الثقة في نفوسهم ، على أساس ما حباهم الله من هداية إلى سبيله ، لئلا ينهاروا أمام تضليل المضللين وتشكيك المشككين ... وقد يوحي بذلك وقوع هذه الصفة بعد الحديث عن هداية الله لمن يشاء إلى صراط مستقيم ، للتدليل على أن الله أراد لهم هذه الهداية التي جعلتهم في هذا الموقع ... ولعلّ طبيعة الشهادة على الآخرين أمام الله تقتضي أن يكون الشاهد في الموقع الأفضل من حيث الدور الذي أوكل إليه ، ومن حيث السلوك الذي سار فيه كما هي حال الأنبياء بالنسبة إلى أممهم. وهذا ما يؤكد المعنى الذي ألمحنا إليه ، وربما يؤكد ذلك ويوضحه ما ورد في الآية الكريمة : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ