في مختلف جوانب الحياة من حيث العاطفة والعقل ، ومن حيث التفكير العقلي والطرق التجريبية ، ومن حيث الزمان والمكان ... وهكذا ...
وفي ضوء ذلك ، يمكن للأمّة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف ، كما يكون النبي شهيدا على الأمة لأنه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الآحاد من الأمة.
ويعلّق صاحب تفسير الميزان على هذا التفسير للآية بأن هذا المعنى «هو في نفسه معنى صحيح لا يخلو من دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية ، فإن كون الأمة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان ، وميزانا يوزن به الجانبان ، لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين أو تشاهد الطرفين ، فلا تناسب بين الوسطية بذلك المعنى والشهادة ، وهو ظاهر على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الأمة ، إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطا كما يترتب الغاية على المغيّا (١) والغرض على ذيه» (٢).
وإننا نتفق مع صاحب الميزان في هذه الملاحظة ، لأن قضية التفسير هي أن يدرس المفسّر الكلمة من خلال الجوّ الذي تعيش فيه ، ليتحقق الترابط بين الآيات في كلماتها وأجوائها. ونحن نرى أن هذه الآيات تتحرك في نطاق الإيحاء للمسلمين بأصالة موقعهم في الحياة من خلال الدور الذي أعدّه الله لهم في قيادة البشرية إلى الأهداف الكبيرة التي تتمثل بالإسلام ، الأمر الذي يجعلهم يتحركون في الحياة من هذا الموقع ، ليكونوا شهداء على الناس في أفكارهم وأعمالهم باعتبار أنهم يدخلون في ضمن مسئوليتهم ، كما كان الرسول شهيدا
__________________
(١) المغيّا : الموضوع له الغاية.
(٢) تفسير الميزان ، ص : ٣١٥.