جاء في مجمع البيان : «الوسط : العدل ، وقيل : الخير ومعناهما واحد ، لأن العدل خير والخير عدل ، وقيل : أخذ من المكان الذي يعدل المسافة منه إلى أطرافه ، وقيل : بل أخذ من التوسط بين المقصر والغالي فالحق معه ، قال مؤرّج : أي وسطا بين الناس وبين أنبيائهم ، قال زهير :
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم |
|
إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم |
قال صاحب العين : الوسط من كل شيء أعدله وأفضله ...» (١).
وقد جرى بعض المفسرين في تفسير هذه الآية مجرى التفسير اللغوي البحت ، فأخذوا منه معنى العدل والتوازن على أساس ما تمثله الشريعة الإسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرف الذي يمثله النصارى ، وبين الاتجاه المادي المتطرف الذي يمثله المشركون واليهود ، لأن الإسلام يأخذ من الروح جانبا ومن المادة جانبا ، لتكون الحياة ـ كما خلقها الله ـ نتيجة التزاوج بين الروح والمادة ، وتتمثل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرف الذي يلغي دور الفرد ، والاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة ، فأعطى للفرد دوره في ما يحقق ذاته من دون أن يغمط (٢) حق الجماعة في نطاق قضاياها العامة ، وأعطى للجماعة دورها في ما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعية. ويمتد الخط الوسطي إلى التوازن بين الدنيا والآخرة ، فللمسلم أن يقبل على الدنيا ويستمتع بطيباتها من دون أن يسيء إلى خط الآخرة في السير مع شريعة الله في ما يفعل وفي ما يترك ، وله أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة والاندفاع معها على الأسس التي يريدها الله .. ويمضي الكثيرون في استيحاء الكلمة من خلال ما في الإسلام من توازن
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤١٤.
(٢) غمط الحق : جحده.