ومنها : أن المعنى : لتكونوا حجة على الناس ، فتبيّنوا لهم الحق والدين ، ويكون الرسول عليكم شهيدا مؤديا للدين إليكم ، وسمّي الشاهد شاهدا لأنه يبين ، ولذلك يقال للشاهدة بيّنة.
ومنها : أنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا وجاز ذلك لإعلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إياهم بذلك (١) ...
وإننا نستقرب من هذه المعاني المعنى الأوّل ، لأن الاتجاه العام في آيات الشهادة هو الإيحاء للناس بأنّهم مطوّقون في يوم القيامة بالشهادة على ما فعلوه في الدنيا من جميع الجهات ، وذلك من الجهات المألوفة لديهم في الشهادة في ما يشهد به الأنبياء والمبلغون ، أو من الجهات غير المألوفة لديهم وهي شهادة الله والملائكة والجوارح ، ليشعروا في الدنيا بالحاجة إلى الانضباط في كل ما يعملونه أو يتركونه ، وليتعمق إحساسهم الداخلي بالرقابة الموجهة إليهم من جميع الجهات. وقد جاءت آيات الشهادة في سياق واحد حتى لا يشعر الإنسان بوجود فارق بين واحدة وأخرى مع اختلاف شخصية الشهود ، كما نلاحظه في الآيات التالية :
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١].
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل : ٨٤].
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الزمر : ٦٩].
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤١٦.