القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أوّلا بمكة ، يعني وما رددناك إليها إلّا امتحانا للناس وابتلاء ، لنعلم الثابت على الإسلام الصادق فيه ، ممن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد» (١).
وفي ضوء هذا ، فإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مأمورا بالتوجه إلى الكعبة ، ثم حوّل إلى بيت المقدس ، ثم أعيد إلى الكعبة ، فكان الابتلاء موجها إلى العرب أو إلى قريش الذين كانوا متعلقين بالكعبة ، مما يجعل من تحويلهم إلى بيت المقدس اختبارا لهم ، باعتبار أن ذلك يصطدم بمشاعرهم الحميمة تجاه الكعبة.
ولازم ذلك أن الله جعل الكعبة قبلة مرتين ، ونلاحظ على ذلك :
أولا : إنه لا دليل على تشريع الصلاة إلى الكعبة في البداية ، ولا ظهور في الآية على ذلك.
وثانيا : إن الظاهر من قوله تعالى في الآية التالية : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) أن الكعبة كانت تمثل رغبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن يوجهه الله إليها لتكون قبلة المسلمين في صلاتهم مما يوحي بأنه لم يسبق لها أن كانت قبلة سابقا.
وثالثا : إن عملية التشريع أولا ، ثم النسخ ، ثم التشريع ثانيا لا يتناسب مع طبيعة استقامة التشريع.
ورابعا : إن تشريع الكعبة كقبلة كان مقدّرا له أن يستقر في نهاية التشريع ، ولكن الله أخّر ذلك للحكمة المذكورة في هذه الآية ، وهي أن تكون المسألة مادة اختبار وامتحان للمسلمين ، من دون أن تكون هناك أيّة سلبية في طبيعة الصلوات التي صلوها إلى بيت المقدس ، لأنها كانت القبلة
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٣١٨.