بها؟ قلنا : الأصل في المفارقات أن تعرض على وجوه التعليل ، فإن قبلت التعليل تعلل ، وإن لم تقبل لم تعلل. وهذه المفارقة قد عرضناها على التعليل وقبلت ، فعللناها ، على أن هاهنا طريقة ملجئة إلى التعليل ، لأن هذين الحيين إذا صح من أحدهما الفعل وتعذر على الآخر مع استوائهما في باقي الصفات ، فلا بد من أن يكون هناك أمر له ولمكانه صح من أحدهما الفعل وتعذر على صاحبه ، وإلا لم يكن هو بصحة الفعل أولى منه بالتعذر ، ولا صاحبه بالتعذر أولى منه بالصحة ، وليس ذلك الأمر إلا صفة راجعة إلى الجملة وكونه قادرا.
فإن قال : قد وجدتم كثيرا من المفارقات التي لا تعلل بأمر راجع إلى الجملة نحو مفارقة المتحرك للساكن ، والأبيض للأسود ، فهلا ألحقتم هذه المسألة بذلك ، فكيف عللتموها بأمر راجع إلى الجملة؟ قلنا : إن صحة الفعل حكم صدر عن الجملة ، فكان ينبغي في المؤثر فيه أن يكون راجعا إلى الجملة. وليس كذلك كونه متحركا ، لأنه حكم راجع إلى الأجزاء والأبعاض ، فكان المؤثر فيه راجعا إلى الأجزاء والأبعاض.
يبين ذلك ، أن هذا الحكم لو لم يصدر عن الجملة وكان راجعا إلى كل جزء ، لوجب في الجملة أن تكون بمنزلة أحياء قادرين ضم بعضهم إلى بعض ، فكان يجب أن لا يحصل منها الفعل بداع واحد ، بل كان يجب إذا دعا أحدهم الداعي إلى إيجاد الفعل ، أو صرف الآخر عنه الصارف ، أن يوجد وأن لا يوجد دفعة واحدة ، وذلك محال. ولوجب في كل جزء أن يأتي الفعل إذا ابتدأ ، حتى يصح الفعل بشحمة الأذن ابتداء ، والمعلوم خلافه. وليس لقائل أن يقول إنما لم يصح ذلك لفقد المفصل ، لما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : ما أنكرتم أن هذه المفارقة معللة بالطبع؟ قلنا : أول ما في هذا ، أن الطبع غير معقول لما بينا.
وبعد ، فإنه لا يخلو ، إما أن يريد به أمرا راجعا إلى الجملة ، أو أمرا راجعا ولا ثالث. فإن البعض أراد به الأول فهو الذي نقوله ، وإن أراد به الثاني فقد أبطلناه ، وبهذه الطريقة أبطلنا قول الكلابية ، إن الفعل إنما يصح ويحصل بالقدرة لا بالقادر.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن صحة الفعل منا هو لزوال المنع في حقنا ، وتعذره على المريض المدنف هو لحصول المنع في حقه؟
قلنا : صحة الفعل حكم ثابت ، وزوال المنع يرجع إلى النفي ، ولا يجوز أن يعلل