ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من سجوده وانّ لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه ، فقلت : يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقلّ؟ فقال : ويحك! انّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيّا وابن نبيّ ، له اثنا عشر ابنا فغيّب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حيّ في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقلّ بكائي (١)؟
رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع):
وذكر اليعقوبي وقال : وجّه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين ، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الذي فيه طعامه ، فادخل إليه ، فجاء الرسول إلى باب عليّ بن الحسين ، فلمّا فتحت أبوابه ، ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد ، معي رأس عبيد الله بن زياد. فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلّا صرخت ، ودخل الرسول فأخرج الرأس ، فلمّا رآه علي بن الحسين قال : أبعده الله إلى النار.
وروى بعضهم أنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكا قطّ منذ قتل أبوه ، إلّا في ذلك اليوم ، وانّه كان له ابل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمّا أتي برأس عبيد الله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرّقت بين أهل المدينة ، وامتشطت نساء
__________________
(١) اللهوف ص ٨٠ ، وفي مثير الأحزان ص ٩٢ بايجاز.