قال بشير : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى ، كأنّهم كانوا سكارى ، يبكون ويحزنون ، ويتفجّعون ويتأسّفون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. قال : ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي ، قد بكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقت بأبي وأمّي ، كهولكم خير الكهول ، وشبّانكم خير الشبّان ، ونساؤكم خير النسوان ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى (١).
خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع):
وفي مثير الاحزان واللهوف : وخطبت فاطمة الصغرى فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأومن به وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات. اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب ، المقتول ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته وبعد وفاته ، حتّى قبضته أليك محمود النقيبة طيّب العريكة ، معروف المناقب مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، زاهدا في الدنيا ، مجاهدا في سبيلك ، فهديته إلى صراطك المستقيم.
أمّا بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء! فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ؛ فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، أكرمنا بكرامته ، وفضّلنا بمحمّد نبيّه صلىاللهعليهوآله على كثير ممّن خلق تفضيلا فكذّبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا ،
__________________
(١) تاريخ ابن أعثم ٥ / ٢٢١ ـ ٢٢٦ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٤٠ ـ ٤٢. ولا يبزى : لا يقهر.