وأنابها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني ، فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثمّ قام فجاءه حتى دخل عليه ، فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد إليه ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال : فإلّا تنصرنا فاتّق الله أن تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلّا هلك ، قال : أمّا هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله ، ثمّ قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.
قال المؤلّف : لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الإمام ممّن تجمع عليه في منزل زبالة يفرّقهم من حوله ، وموقف الإمام هنا مع ابن الحرّ وقبله مع ابن القين ، وكذلك مع غيرهما ، حيث كان يدعوهم فرادى وجماعات إلى نصرته ، ولكنه إذا تدبّر خطب الإمام وكلامه في كل مكان ومع أيّ إنسان كان ، أدرك ان الإمام كان يبحث عن أنصار ينضمّون تحت لوائه ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستنكار بيعة ائمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم ، أنصارا واعين لاهداف قيامه ، يقاومون الاغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!
استقاء مرة اخرى :
روى الطبري وغيره واللفظ للطبري (١) ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لمّا كان في آخر اللّيل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : انّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين.
قال : ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.
قال : فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين على فرس له ، فقال : يا أبت جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنيّ ، إنّي خفقت برأسي
__________________
(١) المصادر لا تزال هي التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر».