حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة (١)
وروى عن الضحّاك المشرقيّ قال : لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلّا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلّمنا حتى مرّ على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلّا حطبا تلتهب النار فيه ، فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته : يا حسين! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!
فقال الحسين : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن! فقالوا : نعم أصلحك الله هو هو ، فقال : يا ابن راعية المعزى! أنت أولى بها صليّا.
فقال له مسلم بن عوسجة : يا ابن رسول الله! جعلت فداك. ألا أرميه بسهم ، فانّه قد أمكنني وليس يسقط سهم ، فالفاسق من أعظم الجبّارين. فقال له الحسين : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم ، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه عليّ بن الحسين.
خطبة الحسين الأولى :
قال : فلمّا دنا منه القوم دعا براحلته ، فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته دعاء يسمع جلّ الناس : أيها الناس! اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما الحقّ لكم عليّ ، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وان لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون ، انّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب ، وهو يتولى الصّالحين (٢).
__________________
(١) ورواه بالإضافة إلى الطبري ومن ذكرنا ؛ ابن عساكر ح ٦٦٧ ، وتهذيبه ٤ / ٣٣٣ وفي لفظه «منتهى كل غاية».
(٢) رواها ابن نما في مثير الاحزان في اليوم السادس من المحرم وراجع الطبري ط. اوربا ٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.