بوصول الإمام إلى الحكم (١).
أعلن الإمام عن سبيله هذا ، ورفع شعاره ذلك ، مرّة بعد أخرى ، وفي منزل بعد منزل. فقد قال في جواب ابن عمر :
يا عبد الله! أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل ... : فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر! ثمّ يقول له : اتّق الله ، يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي.
كأنّ الإمام يشير في حديثه إلى أنّ شأنه شأن يحيى ويدعو ابن عمر إلى نصره في ما اختار لنفسه من سبيل.
وقال الإمام في خطبته عند توجّهه إلى العراق :
خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وقد خير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشا جوفا ، وأحوية سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقرّبهم عينه وينجز بهم وعده.
من كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ... وما نزل الإمام منزلا ولا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريا ومقتله (٢)
لبّى الإمام نداء أهل الكوفة اتماما للحجّة :
كان الإمام يعلم بالبداهة وبحسب حكم طبائع الأشياء ، ومع صرف
__________________
(١) راجع قبله ص ٢٠٦.
(٢) مضى ذكر مصادر هذه الأخبار.