قال الذهبي : فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد ، وما يزيد على أن يشرب يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر ، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا ، فلمّا قرب القوم خطب أصحابه وحرّضهم على القتال ، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال : اللهم انّا بك واثقون. فصبّح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا ، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغطّ نوما فنبّهه ابنه ، فلمّا رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ، ثمّ لم يزل يقدّمهم واحدا بعد واحد حتّى أتى على آخرهم!
قال : وبقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه ، فقال لمولى له : احم ظهري حتّى أصلّي الظهر ، فلمّا صلّى ، قال له مولاه : ما بقي أحد فعلام نقيم؟ ولواؤه قائم ، ما حوله إلّا خمسة ، فقال : ويحك انّما خرجنا على أن نموت ، قال : وأهل المدينة كالنعام الشرود ، وأهل الشام يقتلون فيهم. فلمّا هزم الناس طرح الدرع وقاتلهم حاسرا حتّى قتلوه. فوقف عليه مروان وهو مادّ إصبعه السبّابة ، فقال : والله لئن نصبتها ميّتا فطالما نصبتها حيّا (١).
جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص):
قال الطبري وغيره : وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الاموال (٢).
قال اليعقوبي : فلم يبق بها كثير أحد إلّا قتل ، وأباح حرم رسول الله
__________________
(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ، وابن الاثير ٣ / ٤٧ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٠.