الاخيار آل الله ، وبعد! يا أهل الكوفة! ويا أهل الختل ، والخذل ، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة ، انّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم! ألا وهل فيكم إلّا الصلف ، والطنف ، والشنف (١) ، وملق الاماء وغمز الاعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كقصة (٢) على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء وسيّد شباب أهل الجنّة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ومدره (٣) ألسنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي وتبت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أ
تدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ حريم له أصبتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السموات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض منه ، وتخرّ الجبال هدّا ، انّ ما جئتم بها لصلعاء ، وعنقاء سوءاء فقماء خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض وملاء السماء. أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟ ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفّنّكم المهل ، فانّه عزوجل لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، كلّا انّ ربّكم لبالمرصاد».
__________________
(١) الأول الوقاحة والثاني فساد الأخلاق والثالث الكراهة.
(٢) وهي الجص.
(٣) كمنبر ، المقدم من اللسان.