ركبت نساؤهم فقال لاصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحرّ : ثكلتك أمّك ، ما تريد؟ قال أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل ان أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه ، فقال له الحسين : فما تريد؟ قال الحرّ : أريد والله أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد. قال له الحسين : اذن والله لا اتبعك فقال له الحرّ : إذن والله لا أدعك. فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ : إنّي لم أومر بقتالك وانما أمرت ان لا أفارقك حتى اقدمك الكوفة ؛ فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد ان شئت ، فلعلّ الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك. قال فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. ثمّ ان الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.
وخطب الحسين أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس! ان رسول الله (ص) قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ؛ كان حقّا على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر ، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم انّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) نفسي