ولقد اعتمد النظرية الثانية ـ مؤخراً ـ أحد الكتّاب المصريين حيث قال ما هذا حاصله : لا يمكن للمعجزة أن تكون دليلاً عقلياً ولا علمياً لإثبات صدق ادّعاء صاحبها ، بل هي دليل إقناعي يأتي بها الأنبياء لإقناع الناس وجذبهم إلى الدين والإيمان بالرسالة ، حيث إنّ عوام الناس كلّما شاهدوا أمراً خارقاً للعادة قد صدر من إنسان فإنّهم يقعون تحت تأثير ذلك الفعل ويمدّون لصاحبه يد الطاعة والخضوع ، والحال انّه لا توجد أيّ علاقة منطقية بين صدور المعجزة وصدق القائم بها. ولذلك ينبغي على الذين يدّعون أنّ المعجزة دليل على حقّانية الدعوى أن يثبتوا وجود العلاقة المنطقية بين القضيتين ، وفي غير هذه الحالة فإنّ ادّعاءهم لا يخرج من كونه مجرّد ادّعاء ، بل هو شبيه من يدّعي أنّ قيام الطبيب بعملية زراعة القلب ـ ولأوّل مرّة ـ دليل على نبوّته. (١) ومن هذا المنطلق تكون مهمة الأنبياء حينئذٍ إقامة الدليل والبرهان للعلماء والمفكّرين من أجل إقناعهم وإرشادهم واعتماد منهج الإتيان بالمعجزة لإقناع وجذب العوام من الناس.
ويرد على هذه النظرية بجوابين هما :
الجواب الأوّل : انّ هذه النظرية تحكي عن جهل صاحبها بكيفية دلالة المعجزة على صدق دعوى القائم بها. ولذلك نراه قد اعتبر المعجزة من الأدلّة الإقناعية لا البرهانية.
والحال انّ الأمر على عكس ذلك تماماً ، فإنّ دلالة المعجزة على صدق مدّعي النبوّة دلالة برهانية ، وذلك بالبيان التالي :
إنّ هذا البرهان يعتمد على أصل مسلّم ، وهو أنّ الله حكيم ، والحكيم لا
__________________
(١). منشور جاويد : ١٠ / ٣٠٢.