وعلى هذا الأساس فالآية لا تتحدث عن كلّ إنسان يكذب على الله سبحانه لكي تثبت من خلال هذا الطريق نبوة كلّ مدّعي النبوة ، بل تتحدّث عن أمثال النبي الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم الذي توفّرت فيه جميع عوامل الجذب ، فإنّ هكذا إنسان ـ لو فرضنا جدلاً ـ حينما يكذب على الله سبحانه ، فإنّه سيواجه الغضب والسخط الإلهي.
إنّ القرآن الكريم حينما يتحدّث عن معاجز الأنبياء نجده يصفها بالكلمات التالية «البيّنة» و «الآية» والبيّنة لغة تعني وضوح الشيء ، و «الآية» بمعنى علامة الحقيقة والواقع ، وهذا إنّما يتمّ في صورة ما إذا كانت العلاقة بين المعجزة ودعوى النبوة علاقة منطقية وحقيقية لا مجازية وصورية. وعلى هذا الأساس لا مناص من القول : إنّ علاقة ورابطة معجزات الأنبياء بما يدّعونه علاقة ورابطة منطقية.
الجواب الثاني : وهاهنا جواب آخر عن هذا الإشكال نذكره من خلال التقرير التالي : إنّ الأنبياء يدّعون انّهم تُنزّل عليهم ملائكة الوحي وانّهم يرونهم ويسمعون نداء الغيب ، وحسب الاصطلاح انّهم يدركون إدراكاً خاصاً يطلق عليه عنوان الوحي ، وهذا الإدراك ليس من سنخ الإدراكات الحسيّة والعقلية للإنسان حيث يدّعي الأنبياء أنّهم زوّدوا بسلسلة من الإدراكات الخاصة بهم فقط والتي لم تمنح لغيرهم مكّنتهم من مشاهدة الصور الغيبية وسماع أصوات ما وراء الطبيعة.
وحينئذٍ يرتفع صوت المعترضين عالياً بالاحتجاج عليهم بما يلي :
إذا كنتم تدّعون انّكم تملكون إدراكاً غيبياً وانّ ذلك الأمر خاص بكم ولا يشارككم فيه غيركم ، فمن أين لنا أن نعلم أنّكم صادقون فيما تدّعون؟ وما دمتم تقولون إنّ الآخرين محرومون من إدراك هذه الأُمور الغيبية وغير الطبيعية ، إذاً يجب عليكم ولإثبات صدق مدّعاكم أن تأتوا بأُمور خارقة للعادة يمكن لنا أن نراها