(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ).
وحينئذٍ يكون المقصود من قوله (آمَنُوا) في صدر الآية هم الناس الذين اعتنقوا الإسلام ظاهراً دون أن يترسخ الإيمان في قلوبهم وإنّما أُطلق عليهم لفظ المؤمنين ظاهراً ، وانّ المقصود من (آمَنُوا) الثانية هو الإيمان الحقيقي وهو الاعتقاد الراسخ في القلب والتي تظهر آثاره في العمل ، أي الذي يكون مقروناً بالعمل.
وبالالتفات إلى هذه المقدّمة يتّضح جليّاً أنّ هدف الآية هو الردّ على الأفكار القومية «اليهودية» و «المسيحية» والردّ على نظرية تمايز أتباع هاتين الديانتين وأنّهم يمتلكون خصوصية تميزهم عن باقي أفراد البشر لدى الله سبحانه ، فتبطل الآية ذلك المدّعى وتبيّن أنّ الناس سواسية عند الله سبحانه وتعالى ، كما تبطل الآية فكرة كون الانتساب بالاسم فقط إلى الديانة المسيحية أو اليهودية موجباً للنجاة حتّى إذا تجرد عن التزكية والطهارة النفسية والإيمان القلبي والعمل الصالح.
وحينئذٍ لا يمكن القول : إنّ الآية بصدد إعطاء قاعدة عامّة ومصالحة كلّية بأنّ جميع أتباع المذاهب والديانات هم من الفائزين يوم القيامة ، وذلك لأنّ الآية المبحوث عنها ليست في مقام بيان هذه الفكرة وتوضيح هذه النظرية ، بل الآية ناظرة إلى نفي الأفكار الباطلة والنظرية الأنانية التي تقصر النجاة على اليهود والنصارى فقط ، لا إثبات أنّ اتّباع أي دين سبب للنجاة والفلاح والخلود وانّ اتّباع رسالات جميع الأنبياء تكون سبباً للخلاص والنجاة يوم القيامة ، ولذلك لا بدّ ولدراسة هذه النظرية نفياً أو إثباتاً من الرجوع إلى الآيات الأُخرى.