يشهد على وجود الكثير من الحالات التي هي نظيرة لهذه الآية ، أي أنّ الآية تنزل بصورة مستقلة ثمّ توضع وبأمر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضمن آيات معينة. (١)
ولا ريب أنّ هذا الأمر لا يؤثر على بلاغة القرآن وفصاحته ، لأنّ ذلك من فنون البلاغة وأساليبها ، يقول الطبرسي : من عادة فصحاء العرب في كلامهم انّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه. والقرآن من ذلك مملوء ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم. (٢)
ونشير إلى إحدى الشواهد القرآنية التي تؤيد هذه النظرية وتثبت صحّة ما قاله المفسّرون ، وذلك الشاهد هو ما ورد في قصة يوسف عليهالسلام فإنّه حينما انكشفت خيانة زوجة العزيز وعلم العزيز بمكرها التفت إليها مخاطباً لها :
(قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٣)
نرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته بقوله : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها يلتفت إلى يوسف ويخاطبه بقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ويخاطب زوجته بقوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) (٤) ، فقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) جملة معترضة وقعت بين المخاطبين والمسوغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين وكانت له صلة تامة في الواقعة التي حدثت.
__________________
(١). يقول السيوطي في كتاب الإتقان : ١ / ١٧٦ ، الفصل الثامن عشر في جمع وترتيب القرآن ، نقلاً عن ابن الحصار : ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ضعوا آية كذا في موضع كذا».
(٢). مجمع البيان : ٨ / ٣٥٧.
(٣). يوسف : ٢٨.
(٤). يوسف : ٢٩.