علم بصدقه في هذا القول ، وفرض أنّ هذا الفعل لا مزاحم لصدوره من المخاطب أصلا ، فلا شك أنّه يحدث بذلك في نفس المخاطب ميل تامّ إلى هذا الفعل ، أعني : المشي بالإرادة ، فهل هو حينئذ يتأسف عجزه عن الإتيان وفوت تلك المنفعة الكبيرة ، أو يبادر بالإتيان ويدركها؟ الوجدان قاطع بالثانى.
وأيضا لا شك أنّ إتمام الصلاة ليس أثرا لإقامة العشرة بل للعزم عليها سواء اقيم أم لا، ولا ريب أنّ المسافر قد يتّفق أنّه لا يكون له من الإقامة منفعة أصلا ، بل لمحض إتمام الصلاة يعزم على الإقامة ..
فإن قلت : فكيف الحال لو كان نفس الفعل مبغوضا بمبغوضيّة أشدّ من محبوبيّة نفس الإرادة؟.
قلت : مفروضنا صورة اجتماع المبادي في نفس الإرادة ، ومن جملتها عدم المزاحم ، والمبغوضيّة المذكورة مزاحم ، فالآمر بالأوامر الامتحانيّة يوجد في نفسه عقد القلب على إيقاع الفعل من الغير ويدرك نتيجته ، ضرورة أنّ الارادة الآمرية ليست بأقوى من الإرادة الفاعليّة غاية الأمر أنّه لو كان الفعل مبغوضا له يمنع من وجوده في الخارج.
فإن قلت : الفائدة إنّما هي في التلفظ بالأمر وإن لم يكن الإرادة النفسانيّة موجودة ، فهي مستغن عنها فلا حاجة إلى التكلّف في إثبات وجودها.
قلت : الداعي إلى ذلك هو الفرار عن كون تلك الأوامر مهملة ؛ إذ من البعيد ذلك، والوجدان يشهد بأنّها على نسق غيرها مستعملة في المعنى ، نعم يكون الأمر فيها سهلا على القول بأنّ الإرادة قسمان حقيقي ، واعتباري إنشائي ، والثاني تحقّقه باللفظ مع القصد، فهيئة الأمر مستعملة أبدا في الثاني ، لكن قد عرفت أنّه لا معنى لذلك.