باب الأخذ بالقدر المتيقّن ، وبيانه أنّ الطبيعة المهملة من حيث الوجود والعدم لمّا لم يكن وقوعها متعلّقا للطلب كان اللازم بحكم العقل اعتبار الوجود معها ، والوجود المعتبر يمكن أن يكون هو الوجود المخصوص ، وأن يكون هو الوجود الساري ، وأن يكون صرف الوجود ، والأوّلان مشتملان على الأخير مع الزيادة ، وحينئذ فحيثما كان المتكلّم في مقام البيان ولم يقم في البين قرينة على اعتبار الخصوصيّة أو السريان فإطلاق كلامه محمول على اعتبار صرف الوجود ، فعلم أنّ ظهور طلب الطبيعة في مطلوبيّة صرف الوجود إنّما يكون ناشئا من جهة الإطلاق وكونه قدرا متيقّنا.
وحينئذ فلو قام دليل على أنّ المعتبر هو الوجود بقيد السريان كان له الورود على الظهور المذكور ، وعلى هذا فإذا كان ظاهر القضيّة المبدوّة بإن وإذا على ما قرّرنا سببيّة كلّ وجود وتأثيره الفعلي المستقل ـ ومن المعلوم عدم إمكان تعدّد السبب الفعلي إلّا مع قابليّته المسبّب للتكرار ـ كان هذا دليلا على أنّ الوجود المعتبر في جانب المسبّب مع كونه مأمورا به هو الوجود الساري القابل للتكرار دون صرف الوجود الغير القابل له.
فإن قلت : سلّمنا تعدّد السبب وتعدّد التأثير لكن نقول : المسبّب للأسباب الشرعيّة هل هو الوجود أو الوجوب؟ لا إشكال في عدم كونه هو الوجود وإلّا لزم تحقّق الوضوء عقيب النوم مثلا ، فتعيّن أن يكون هو الوجوب ، وحينئذ فتعدّد السبب يقضي بتعدّد الوجوب وهو لا يقضي بتعدّد الوجود ، لإمكان اجتماع الوجوبات المتعدّدة في وجود واحد وصيرورتها وجودا واحدا متأكّدا ، كما لو قال : أكرم عالما وأكرم هاشميّا ؛ فإنّ إتيان المجمع حينئذ متّصف بالوجوب المتأكّد ، وبعد هذا القول لا يخفى أنّ الوجوب في دليل سببيّة هذه الأسباب متعلّق بعنوان واحد كالتوضّؤ ونزح الأربعين من دون تقييد بما يقيّد بعدد الوجود بتعدّد الوجوب ، فيكون ظاهرا في اجتماع الوجوبات في الوجود الواحد وصيرورتها وجوبا واحدا متأكّدا نظير قول المولى : اضرب اضرب ، فإنّه بإطلاقه وعدم تقييد الضرب الثاني بالمرّة الاخرى ظاهر في كون المطلوب ضربا واحدا وكون طلبه شديدا.