وكذا مئونة النفسي ليس إلّا توجيه الإرادة نحو نصب السلّم مثلا ، وأمّا الغيري فيحتاج إلى ملاحظته مرتبطا مع واجب آخر كالكون على السطح ، وكذا التعييني لا يحتاج إلّا إلى توجيه الإرادة نحو إكرام العلماء مثلا ، وأمّا التخيير فيحتاج إلى ملاحظة العدل أيضا، وكذا الكفائي يحتاج إلى مئونتين ، ملاحظة جميع الأشخاص بعنوان إجمالي وتعليق التكليف على الجميع ثمّ ملاحظة أنّ إتيان الواحد مسقط التكليف عن الباقين أيضا ، والعيني غير محتاج إليهما بل هو صرف تعليق الطلب وتوجيهه نحو المكلّف من دون احتياج إلى ملاحظة اخرى ، هذا.
ويمكن أن يقال : لا حاجة لنا في حمل الصيغة على الوجوب النفسي التعييني العيني إلى إحراز المقدّمات بحيث لو لم نحرزها ما كان لنا محيص عن التوقّف ، وذلك بأن يدّعى أن الصيغة وإن كانت موضوعة للقدر المشترك بين هذه الأقسام بمعنى أنّ استعمالها في كلّ غير مستلزم للتجوّز مع أنّه استعمال في معنى واحد بحكم الوجدان ، إلّا أنّ المتبادر منها عند الإطلاق يعني عدم وجود القرينة على خصوص الندب هو الإيجاب ، وعند عدم القرينة على خصوص التخييري هو التعييني ، وعند عدم القرينة على الكفائي هو العيني أو على الغيري هو النفسي ، وبالجملة ، الظهور لنفس اللفظ ثابت في هذا النوع الخاصّ ولا يكون انعقاد ظهوره فيه معلّقا على إحراز المقدّمات ، وهذا نظير ما ادّعيناه في كلمة «كلّ» حيث ربّما توهّم أنّ دلالته على الاستغراق منوطة بإحراز المقدّمات في مدخولها ؛ فإنّ كلّ رجل مثلا لو اريد بالرجل المطلق كان لفظ «كل» مستعملا في معناه ، وإن كان المقيّد كان أيضا مستعملا في معناه ، وإذن فلا بدّ أوّلا من إحراز المقدّمات في مدخول هذه اللفظة وإثبات كون المراد به مطلقا ثمّ الحكم بإفادة هذه اللفظة الاستغراق ، وأمّا مع عدم إحرازها فيه فيصير هذه اللفظة أيضا مجملة ولا يدلّ على الاستغراق لاحتمال كون المراد من مدخوله المقيّد.
فدفعنا ذلك بأنّا إذا راجعنا الوجدان وجدنا عدم الحاجة في فهم الاستغراق من هذه الكلمة إلى المقدّمات ، بل لا يتوقّف فهم ذلك منها إلّا على عدم ذكر القيد عقيب مدخوله، فإذا لم يذكر فالظاهر منه الاستغراق مطلقا ، وإن كان لو اريد المقيّد أيضا