ومسبّبا عن أمر مقدور ، فيكون سائر الامور المترتّبة على تصوّره أيضا اختياريّا لتسبّبها عن الأمر الاختياري ، لكنّ الدعوى نفي كليّة اختياريّتها.
وأمّا العزم والإرادة ، فأوّلا لا إشكال في أنّ العزم على معصية المولى أمر قبيح ذاتا بمعنى اشمئزاز طبع الإنسان عنه في قبال العزم على طاعته ، حيث إنّ الطبع يستحسنه ، ولا إشكال أنّ القبح الفعلي ملازم للقبح الفاعلي لو كان الفعل عن اختيار الفاعل ، فيكون الفاعل مستحقّا للملامة والعقاب ، فالمهمّ إثبات اختياريّة العزم أو اضطراريّته.
فنقول : قد يقال بأنّ الإرادة هو العلم بالصلاح وإن اختلف تعبيره في الخالق والمخلوق ، فيعبّر عنه في الأوّل بالعلم بالأصلح ، وفي الثاني باعتقاد النفع ، والمحصّل أنّه إذا صار الصلاح والنفع معلوما فالمضرّة لو كانت فهي مضمحلّة في جنب الصلاح ، وبعبارة اخرى علم النفع الخالص السالم عن المزاحم ، فعند ذلك يحصل حركة العضلات ولا يحتاج إلى شيء آخر وراء هذا العلم.
فلا إشكال أنّ العزم على هذا القول ليس باختياري مطلقا إلّا فيما إذا كانت مقدّماته اختياريّة ، وأمّا إذا لم يكن مقدّماته في البين مثل ما لو علم عدم النفع في الفعل فليس باختياري ؛ إذ لا يمكن في هذا الفرض إيجاد العلم بالصلاح في النفس بمجرّد إحراز مصلحة في نفس هذا العلم.
ولكنّ الحقّ أنّ الإرادة حالة نفسانيّة وراء العلم بالصلاح ، والدليل عليه أنّا نتمكّن بالوجدان من إيجاد الإرادة في النفس مع عدم العلم بمصلحة في متعلّقها ، بل والقطع بعدم صلاح فيه أصلا ، والمثال الواضح لذلك أنّ المقيم عشرة أيّام في البلد إذا فرض عدم ترتّب نفع له على نفس البقاء في البلد ، بل يعزم لمجرّد إتمام الصلاة ، فإنّ عزمه هذا لا يمكن جعله عبارة عن العلم بالصلاح ، كيف وهو عالم بعدم نفع في نفس البقاء مع قطع النظر عن العزم ؛ فإنّه لو لم يعزم يقصّر صلاته وإن بقي عشرة أيّام ، ولو عزم يتمّ وإن لم يبق عشرة أيّام ، فهو عالم بعدم فائدة في نفس البقاء ومع ذلك يعزم عليه ، وكذلك كلّ موضع كان لنفس الاختيار مدخليّة في ترتّب الاثر.