فلو كان العزم هو العلم بالصلاح لزم في هذه المواضع الدور ، لوضوح توقّف العلم بالصلاح فيها على الاختيار ، فلو كان الاختيار أيضا متوقّفا على العلم بالصلاح كان دورا، فيلزم أن لا يمكن الاختيار في هذه المواضع وقد فرضنا إمكانه ، فيلزم أن يكون الاختيار حالة اخرى وراء العلم المذكور.
ثمّ هل هذه الحالة النفسانيّة المسمّاة بالإرادة اختياريّة أو اضطراريّة؟ الوجدان يشهد بالأوّل ، وبرهان (١) الخصم غير تامّ.
أمّا برهان الخصم فهو أنّ الفعل الاختياري ليس إلّا عبارة عمّا هو مسبوق بالإرادة بحيث لو شاء فعل ولو شاء ترك ، فلو كان نفس الإرادة أيضا اختياريّة لزم مسبوقيّتها بإرادة ثانية وهي بثالثة وهكذا ، فيتسلسل.
والجواب على وجه يظهر بطلان التسلسل ودليل الاختياريّة يكون بتمهيد مقدّمتين :
الاولى : أنّ العلّة لوجود الإرادة شيئان كلّ منهما وجد يكتفى به ، وإن وجد كلاهما اشتركا في التأثير ، أحدهما : الصلاح في نفس المتعلّق مثل ما لو كان في ضرب الزيد فائدة فيريده ، والثاني : الصلاح في نفس الإرادة ، وحينئذ يحتاج في وجودها إلى إرادة اخرى فتكون الإرادة الاولى معلولة للإرادة الثانية ، وهي مع الإرادة الاولى حالها حال الإرادة للأفعال الخارجيّة ، فالإرادة الاولى تصير بمنزلة فعل خارجي ، فالإرادة المتعلّقة به معلولة للصلاح فيها ، كما أنّ الإرادة المتعلّقة بالفعل الخارجي معلولة للصلاح في الفعل الخارجي ، فالإرادة الاولى علّتها الإرادة الثانية
__________________
(١) وهذا وجه ثان لبطلان القول باضطراريتها ؛ فإنّ البرهان في كلّ مقام لو كان الوجدان على خلافه كان ساقطا عن درجة الاعتبار ، وإن عجزنا عن تخريبه ورفعه فإنّ البرهان إنّما يكون متّبعا لكونه منتهيا إلى الوجدان ، فإذا كان الوجدان على خلافه فهو بمجرّده غير مفيد ، وفي المقام مع كون الوجدان على خلاف نتيجة البرهان يكون نفس البرهان أيضا مخدوشا وممكن الرفع ، فيكون غير مفيد بطريق أولى. منه عفي عنه.