الخياليّة وعالم التصوّر في زمان واحد أبدا.
بيان ذلك أنّ الإرادة مثل العلم ، والعلم لا يتعلّق إلّا بنفس المعلوم لا بالمعلوم مع وصف العلم ، فالعلم يتعلّق بالذات المجرّدة عن المعلوميّة.
نعم يمكن أن يلتفت الإنسان حال العلم إلى علمه ، لكن في رتبة تعلّق العلم لا يمكن أن يتعلّق إلّا بالشيء المجرّد ، فهو في هذه الرتبة متجرّد عن وصف المعلوميّة ، بل لا يعقل أن يكون ملحوظا بوصف المعلوميّة ؛ فإنّ العلم المأخوذ فيه إن كان نفس هذا العلم الذي يتعلّق به فهذا تقدّم الشيء على النفس ودور ، وإن كان علما آخر لزم التسلسل ، وهكذا التصوّر، فإنّ الإنسان يتصوّر ذات الشيء لا الشيء المتصوّر ، فلا يتعلّق التصوّر بالموصوف بالتصوّر، بل لا يعقل.
وكذلك الكلام في الإرادة ، فهي أيضا لا بدّ أن تتعلّق بذات المراد مع التجرّد عن وصف المراديّة ، بل لا يعقل أن تتعلّق الإرادة في أوّل الوهلة بالمراد ، وهذا في الوضوح بمثابة لا يحتاج إلى بيان.
إذا تقرّر هذا فنقول : إنّ في ابتداء تعلّق البغض بعنوان الخمر مثلا لا شكّ أنّه يتصوّره الشارع ، فإذا تصوّره بهذا التصوّر الذي لم يوجد في حالة إرادة ولا كراهة بل هو مقدّمة ويتعقّبه إحداهما فهو يتصوّر الخمر ويتصوّر جميع ما يطرأ عليه من الكيفيّات ، فيتصوّر أنّ بعضه أسود وبعضه أبيض وبعضه اصفهاني وبعضه طهراني ، إلى غير ذلك من خصوصيّاته ، فيلاحظ ويرى أنّه مع كلّ هذه الخصوصيّات اخذ ليس فيه إلّا النفرة ولا يجد منه إلّا المساءة ، فحينئذ لا محالة يبغضه ويكرهه ويحرّمه.
هذا في نظرته الاولى ، ثمّ بعد ذلك يعني بعد ما صار مبغوضا يحدث ويوجد له حينئذ أفراد أخر لم يكن له تلك الأفراد سابقا وهو مشكوك الحكم ومعلومه ومظنونه ، وهذه إنّما يحدث له بعد تحقّق الحكم حقيقة أو بعد تقديره إن لم يكن متحققا ، كما لو كان في حال التصوّر الأوّلي قبل حصول الإرادة والكراهة ، فيتصور كون الخمر على تقدير الطلب مشكوك الحكم. وبالجملة ، هذه حالات تحصل عقيب الطلب وبعد مفروغيّته.