اجتماعهما لم يعقل التزاحم.
وأمّا عدم محفوظيّة العنوان الأوّل في الرتبة الثانية فربّما يقال : إنّه بعد تمام الحكم والبغض وتحقّق مشكوك الحكم أنّ الخمر المشكوك الحكم كيف يجوز تحليله ، وهل هو إلّا تحليل المبغوض ؛ فإنّ الخمر مبغوضة وهو هنا موجود مع الزيادة ، فليس تحليله إلّا تحمّلا للمبغوض وترخيصا فيه.
قلت : الكيفيّة التي يتعقّل في الرتبة الاولى هي كون الخمر متصوّرا بحيث يمكن أن يكون من مصاديقه مشكوك الحكم ؛ فإنّه في هذه الرتبة منسلخ عن الاتّصاف بالحكم ، ونقيض هذا الاتّصاف وهي الثانية قد يعقل على كيفيّة يكون من أفراده مشكوك الحكم ، وهاتان الكيفيّتان لا تجتمعان في لحاظ واحد قطّ ، كيف وإلّا يلزم اجتماع المتناقضين في الذهن ؛ فإنّ الانسلاخ عن الحكم والاتّصاف به لا يمكن جمعهما في الذهن.
وحينئذ فلا تقع المزاحمة والكسر والانكسار أصلا ؛ فإنّه فرع اجتماع ما هو المبغوض وهو الخمر بكيفيّة الخاصّة مع عنوان مشكوك الحكم في التصوّر ، وقد فرض امتناع اجتماعهما ، فكيف تقع المزاحمة بحسب الحبّ والبغض؟.
فالخمر الخارجي المشكوك الحكم يكون الخمر الذي في ضمنه ساريا إليه المبغوضيّة من عنوان الخمر ، ولا يسري إلى وصف كونه مشكوك الحكم ، فتكون الذات متّصفة بالمبغوضيّة والوصف خاليا عنها ، أو يكون محبوبا ، ولا يزاحم محبوبيّة هذا الجزء لمبغوضيّة ذلك الجزء ، ولا مبغوضيّة ذلك الجزء لمحبوبيّة هذا ؛ فإنّ المناط هو الذهن وعالم التصوّر ؛ وفيه لا يتّفق بل لا يمكن الاجتماع ، وبدونه لا يقع بين الحبّ والبغض كسر وانكسار ، فلا محيص إلّا عن اجتماعهما في الوجود الخارجي.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّا وإن قلنا بأنّ الحكم يسري من العناوين إلى الجزئيات ، وقلنا أيضا بامتناع اجتماع الأمر والنهي في عنوانين باعتبار اتّحادهما في الوجود ولزوم وقوع الكسر والانكسار بينهما ، ولكن هذه السراية وهذا الكسر والانكسار إنّما هما في ما إذا كان هذان العنوانان ممّا أمكن جمعهما في عالم التصوّر وتصوّرهما