فنقول : أمّا التكليف بما لا يطاق فهو إنّما يلزم لو ساق المكلّف التكليف نحو الضدّين في آن واحد على وجه صار شرائط التنجيز حاصلا في كليهما في آن واحد وعرض واحد ، كما لو أمر بالقعود والقيام في آن واحد مع علم المأمور بذلك ، وأمّا لو أمر بالضدّين على وجه لم يلزم اجتماع شرائط التنجيز في كليهما في زمان واحد أبدا فلا محذور فيه ، كما هو الحال في المقام ؛ فإنّ إيجاب الفعل مثلا يكون تنجيزه في حال العلم به ، وإيجاب الترك لا يحصل موضوعه إلّا مع الشكّ في إيجاب الفعل وهو في حال الشكّ غير منجّز ؛ إذ العلم من شرائط التنجيز ، فالوجوب والحرمة وإن كانا موجودين فعلا ، لكن أحدهما مؤثّر في العقاب بحسب حكم العقل ، والآخر خال عن التبعة والعقاب بحكم العقل.
وأمّا الإشكال الأوّل ، فالمصلحة والمفسدة وإن كانا من قبيل الحرارة والبرودة ، والسواد والبياض من الأعراض الخارجيّة العارضة على محالّها بدون توسيط ذهن ذاهن ـ فالخمر بوجوده الخارجي يكون ذا مفسدة فترخيصه في حال الشكّ في حرمته يكون ترخيصا لأمر ذي مفسدة ، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم ـ إلّا أنّا بعد ورود الترخيص من الشرع نلتزم بأنّ مفسدة الخمر وإن كانت غير منقلبة إلى المصلحة ـ كيف وإلّا يلزم التصويب ، بل مفسدته لا فرق فيها بين حالتي العلم والشكّ ـ إلّا أنّه يمكن أن يكون الخمر مثلا في نظر الشارع ذا مفسدة كإيراثه لقساوة القلب ، ولكنّه رأى أنّه لو حرّمه في حال الشكّ في حرمته يلزم مفسدة اقوى كلزوم العسر الشديد على المكلّف في تحصيل الحال فيه وكونه مؤدّيا إلى قتل النفس مثلا.
وبالجملة ، فرأى الأمر في حال الشكّ دائرا بين الوقوع في المفسدة الصغرى الكائنة في ذات الخمر ، والمفسدة العظمى الحاصلة في تحريمه حال الشكّ ، فرجّح الوقوع في الصغرى على الوقوع في العظمى.
ومن هنا ظهر اندفاع الإشكال بلزوم نقض الغرض ؛ فإنّ للشارع غرضين ، أحدهما أهمّ من الآخر ، فعند الدوران رجّح الأهمّ منهما على غيره ، فاندفع الإشكال بحذافيره.