الوجه الثاني من وجوه الجواب عن إشكال لزوم المحاذير من التعبّد بغير العلم ما ذكره شيخنا المرتضى وهو ممّا يمكن أن يقال به وهو : أنّ الأوامر الصادرة من الشارع في باب الطرق ليست أحكاما مولويّة ، بل هي إرشاد إلى الصواب والواقع.
وتصوير كونها إرشاديّة في حال انفتاح باب العلم أنّ الانسداد عقلي وشرعي ، فالعقلي هو عدم إمكان الواقع ، مثل أن يكون السفر من البلاد البعيدة إلى مدينة المعصوم للسؤال عنه موجبا لانتشار تشيّع السائل ومورثا لقتل النفوس الكثيرة من الشيعة أو الإمامعليهالسلام ، فلهذا يرفع عنه مولويّا وجوب تحصيل العلم ؛ فإنّ وجوب تحصيل العلم عقليّ ، فإنّ مراتب الامتثال أربع ، فأوّلها العلم وبعده الظن وبعده الاحتمال وبعده الوهم.
فإن قلت : هذا مبني على بقاء العلم الإجمالي بالأحكام وعدم انحلاله بالأمارات المعتبرة وهو خلاف الواقع.
قلت : الكلام الآن في اعتبار الأمارات ، فنحن ندّعي عدم جعل الشارع لها حجيّة ، وإنّما أرشد إلى الطريق الأقرب ، والعقل بعد جزمه بصدق الشارع يحكم بالحجيّة ، فببركة هذا البحث نريد انحلال العلم ، وبالجملة ، فالصادر من الشارع حكمان ، أحدهما مولوي ، والآخر إرشادي ، فالحكم المولوي الصادر من الشرع في هذا الحال ليس إلّا رفع وجوب تحصيل العلم بالحكم الواقعي ، وهذا موضوع آخر غير موضوع الحكم الواقعي ؛ فإنّ موضوع الوجوب مثلا صلاة الجمعة ، وموضوع رفع الوجوب تحصيل العلم بحكمها.
فإن قلت : نعم يتغاير الموضوعان وبذلك يرتفع غائلة التضادّ ونحوه ، لكن إشكال نقض الغرض باق بحاله كما هو جار في الانسداد العقلي ؛ فإنّ الشارع يمضي طريقة العقل فيتسبّب بإمضائه إلى نقض غرضه.
قلت : لا محيص عنه ؛ فإنّ تحصيل الغرض يكون بإيجاب تحصيل العلم أو بإيجاب الاحتياط وكلاهما مشتمل على المحذور الأشدّ ، فلا بدّ من الصبر على عدم مثل هذا الغرض.