قلت : يمكن كون الظن النوعي أقرب إلى الواقع من الشخصي ، فإذا اجتمع جميع الظنون الشخصيّة واجتمع جميع الظنون النوعيّة يمكن أن يكون الثانية أقرب من الاولى ، كما هو الحال في ظواهر الألفاظ وكما يمكن أن يقطع الإنسان بمخالفة واحد من ظنونه للواقع.
والفرق بين هذا الوجه والوجه المتقدّم أنّ الحكم الظاهري على ذلك الوجه كان مولويّا، وعلى هذا يكون إرشاديّا.
ونقول لتوضيحه أيضا : ألا ترى أنّه لو كان لحاكم أحكام وكان في تحصيلها بطريق العلم مفسدة أقوى ، أو كان غير ممكن فجاء المحكوم إلى هذا الحاكم واستفسر عنه من حيث إنّه عاقل كامل فقال له : الظنون التي هي مرجعي في أحكامك الغير الممكن علمي بها أيّ منها أقرب إلى الواقع ويوجب الوقوع في المفسدة أقل؟ فعيّن الحاكم له على سبيل الإرشاد وإراءة الصلاح بأنّ الطريق الفلاني أسلم ، وإيجابه للمفسدة أقل ، فهل يقال لهذا الحاكم في ما إذا أخطأ هذا الطريق : إنّك حكمت في موضوع واحد بحكمين متضادّين؟.
ولو قيل له ذلك يقول : أمّا من حيث كوني حاكما فلا يتفاوت حكمي بجهل المكلّف وعلمه ، وليس لي وراء الحكم الأوّلي حكم آخر ، وأمّا من حيث كوني عاقلا ومرشدا إلى الصواب وهاديا إلى الواقع فقد حكمت بسلوك الطريق الفلاني ؛ لأنّي رأيته أقرب من سائر الطرق إلى الواقع ، ولم يصدر منّي إلّا مجرّد إراءة صلاح المكلّف والإرشاد إلى الصواب من دون صدور حكم منّي أصلا.
فإن قلت : على تقدير اللابدّيّة من رفع اليد عن المصالح الواقعيّة إمّا بالانسداد والحرج في الاحتياط ، أو بما ذكرت من المفسدة الأعظم في تحصيل العلم هل يكون فعليّة التكليف بمعنى البعث والزجر الفعليين نحوه إلّا فعلا لغوا لا يصدر من الحكيم؟.
قلت : الجواب هو الجواب عن إشكال فعليّة التكليف عند جهل المكلّف مركّبا أو بسيطا مع قصوره ، حيث يكون معذورا عقلا والشارع يمضي ذلك من العقل ، وعند علم الشارع بعصيان العبد ، فما كان هو الجواب في ذينك المقامين نقوله في هذا المقام