وأنّه لا ينثلم بذلك فعليّة التكليف ، ولا يوجب الكسر والانكسار بين مصلحة الواقع ومفسدة تحصيل العلم حتّى يصير الواقع اقتضائيّا شأنيّا.
والحلّ في الجميع أنّ أوامر الشارع مقرّبات إلى المصالح الواقعيّة ، ونواهيه مبعّدات عن المفاسد كذلك ، ويجب عليه هذا المعنى بمقتضى حكمته ، ففرامينه ليست كفراميننا ، حيث إنّ غرضنا ممحّض في شراء اللحم وإتيان الماء وغيرهما من الأغراض المترتّبة على الوجود الخارجي للمأمور به ، فلهذا لو علمنا أنّ عبدنا متمرّد ولا يطيع أمرنا لا نأمره ، ولو علمنا المانع من إتيانه المأمور به نمتنع من الأمر ، لكن فرامين الشارع نظير حكم الحاكم في مقام فصل الخصومة وختم المرافعة ، حيث لا عشق له في وجدان زيد للعباء وفقدان عمرو له ، بل وظيفته الجلوس في مسند القضاء وإصدار الحكم ، فالغرض في نفس الحكم.
وهكذا في مقامنا ليس لطف الحكيم تعالى مقتضيا لأزيد من نصب الإمام وجعل الأحكام ، ولو لا ذلك وكان غرضه في حصول المتعلّقات أيضا لزم العياذ بالله أن يكون الله دائما مقهورا لعباده ؛ إذ ما من زمان إلّا وفيه جماعة من الناس يعصون الله ، فالمقصود يتمّ بالنصب والجعل ، وبعد ذلك يصير النقصان راجعا إلى المكلّفين إمّا لعصيانهم وإمّا لكونهم موجبين لغيبة الإمام عليهالسلام ، وعلى كلّ حال يقع التقصير على عنقهم بعد تمام اللطف من الله وإتمام الحجّة من قبله.
فإن قلت : مع هذا أيضا يبقى محذور المضادّة بحالها ؛ إذ الكراهة والحبّ بالنسبة إلى المتعلّقات سلّمنا انتفائهما وأنّ المصلحة في نفس الحكم ، لكن نقول : نفس الحالة الباعثة والزاجرة ولو انقدحت لمصلحة في نفسها ينافي مع إراءة طريق يؤدّي إلى خلاف متعلّقها ؛ إذ معناه الرضى بترك المتعلّق في هذا الحال ، والمفروض أنّه في بحبوحة البعث نحوه والتحريك إليه.
قلت : نعم ولكن إحدى الحالتين من حيث كونه شارعا ، والاخرى من حيث كونه عاقلا ، ولا محذور بين الإيجاب والترخيص مع اختلاف الحيثيّة ولو اتّحد الشخص ، فكما لا منافاة بين بعث الشرع وترخيص العقل لتعدّد الحاكمين ، فكذلك