في الحدسيّات فلما ذكرت ، وأمّا في الحسيّات فلأنّ الآية ليس بفعليّ بمعنى أنّه لا تدلّ على لزوم البناء والتعبّد على كون مؤدّى الخبر هو الواقع ، وإنّما دلّت على عدم الاعتناء باحتمال تعمّده الكذب ، وهذا أعمّ من الحكم بمطابقة خبره للواقع ؛ إذ ربّما يكون هذا مشروطا بأمر آخر أيضا ، كما هو المشاهد في باب الشهادة في الموضوعات ، فإنّه لا يجوز البناء على واقعيّة المؤدّى بمجرّد إخبار العدل الواحد مع رفع احتمال تعمّده الكذب أيضا بعموم الآية ، فكما صار التعبّد بقوله في الموضوعات منوطا بشرط آخر علاوة على العدالة وهو التعدّد ، من المحتمل أن يكون خبره في الأحكام أيضا منوطا بشيء آخر ، فلا تدلّ الآية على هذا على حجيّة خبره في موضع أصلا.
قلت : لا إشكال في أنّ وجه محجوبيّة الواقع ومستوريّته علينا بعد إخبار العدل منحصر في أمرين لا ثالث لهما ، بحيث إذا ارتفعا لم يبق وجه لعدم الأخذ بقوله وعدم ترتيب أثر الواقع عليه ، أحدهما : احتمال تعمّده الكذب في إخباره وكونه في إخباره بقيام زيد مثلا كاذبا ، والثاني : احتمال خطائه في حسّه ، فجهة عدم حصول الجزم لنا بإخباره بقيام زيد منحصرة في هذين الاحتمالين.
فإذا دلّ الشرع على إلغاء الاحتمال الأوّل كما هو المفروض من دلالة الآية وجرى بناء العقلاء على إلغاء الاحتمال الثاني في حقّ العقلاء يلزم قهرا ترتيب آثار الواقع بلا تأمّل؛ إذ قد وضّح الواقع وارتفع المحجوبيّة عن البين بالتعبّد وبناء العقلاء ، فلا مانع عن إجراء آثار الواقع.
لا يقال : إنّ هذا رجوع عن الاستدلال بالآية إلى الاستدلال بالسيرة والأصل العقلائي.
فإنّه يقال : المقصود هو عدم التوقّف في النتيجة ولو كان بتتميم الاستدلال بالآية من الخارج ، فإنّ مدّعى المستشكل على ما حكي هو لزوم التوقّف وعدم إمكان إثبات الحجيّة من الآية ولو بضميمة من الخارج ، فراجع كلامه.
فإن قلت : لا بدّ بعد هاتين القضيتين الحيثيتين من بناء ثالث من العقلاء في مورد